112

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

وهو يريد أن يحقق ذلك بسلسلة طويلة صابرة من الملاحظات والتسجيلات التي تبرز فيها «المادة» تدريجا من «الأحداث» - وأنا هنا أستخدم مصطلحات مدرسية كانت تغضب بيكون نفسه - والثابت من العارض. وبالرغم من كراهية بيكون للمصطلحات الفلسفية القديمة فإنه يجد نفسه مرغما على استخدام اللفظة التي تعني «الشكل، أو الصيغة». وإليكم فقرة ذات أهمية كبرى:

لما كان «شكل» الشيء هو الشيء ذاته، والشيء لا يختلف عن الشكل إلا مثلما يختلف الظاهر عن الواقع، أو الخارج عن الداخل، أو الشيء من حيث صلته بالإنسان عن الشيء من حيث صلته بالكون، لما كان الأمر كذلك فإنه يترتب عليه بالضرورة أن الطبيعة لا يمكن أن تؤخذ على أنها الشكل الحقيقي إلا إن كان الشكل يتناقص دائما كلما تناقصت هذه الطبيعة، وكذلك يتزايد كلما تزايدت هذه الطبيعة.

وإذا حاولت أن أسترسل بعد ذلك كنت معتديا على ميادين الفيلسوف المحترف. وربما لم يعد بيكون أنه يسبق في ألفاظ مثل «الظاهر» و«الواقع» ما أسماه لوك فيما بعد ب «الثانوي» و«الأولي» - أي إن اللون، على سبيل المثال، صفة ثانوية تختلف فيها انطباعاتنا الحسية، والكتلة صفة أولية يمكن قياسها قياسا موضوعيا بالطرق العلمية. وربما كانت «أشكال» بيكون لا تعدو ما قصد به العلماء المتأخرون من «القوانين» أو «الصور المتشابهة». غير أن هذه الأشكال بالنسبة لبيكون تمكن في النهاية معرفتها، وهي في الواقع أمور مطلقة.

إن دور العلوم المتفرقة يبدأ الآن في الازدحام بالأسماء والمكتشفات حتى إن مؤرخ العلم ليحتاج إلى صفحات لا تقل في عددها عما يحتاج إليه عادة مؤرخ الحرب والسياسة. ولا يسعنا هنا إلا أن نلخص في إيجاز. لقد واصلت علوم الرياضة التقدم الذي أحرزته منذ أوج العصور الوسطى، وبلغت حدا استطاعت عنده أن تجابه المشكلات الجديدة التي عرضها علماء الفلك والطبيعة. وقد اخترع فلمنج سيمون ستيفن في أواخر القرن السادس عشر الحساب العشري، وهو وإن يكن لا يعدو أن يكون حيلة من الحيل، إلا أنه كالصفر حيلة لا غنى عنها. واخترع عالم الرياضيات الاسكتلندي جون نابير اللوغاريتمات في ذات الوقت تقريبا. وفي القرن التالي أدخل ديكارت - الذي سوف نعود إليه ثانية - تعديلا في تلك الحيلة النافعة التي نعرفها اليوم باسم الأبعاد المتساوية الديكارتية، التي عنها انبثقت تلك الرسوم البيانية التي يستطيع أن يفهمها اليوم حتى رجل الشارع. كما أن باسكال - الذي نعرفه أساسا كأديب من الأدباء - دفع الهندسة ونظرية الاحتمالات دفعة قوية هامة.

وتتابعت في الفلك أسماء شهيرة: كوبرنيكس، تيكو براه، كبلر، جاليليو - ومن هؤلاء انبثقت نظريتنا عن مركزية الشمس في نظامنا الشمسي بصورة واضحة، كما بدأت معرفة الكون العظيم خارجا عن النظام الكوكبي، وقد ذكرنا من قبل كيف أن تلخيص جاليليو وتثبيته لذلك كله أدى إلى محاكمته - وكانت هذه المحاكمة طريقة جيدة من طرق نشر آرائه. وإذا أضفنا ما قاله كبلر إلى ما قاله جاليليو وجدنا أنهما وضعا فكرة الكون الذي يسير طبقا لقوانين الرياضة، ولكنه «يتحرك» قطعا، ولا يشبه في ذلك السماوات الثابتة التي لا تتغير التي رويت عن أرسطو. وقد بين أول قانون من قوانين كبلر على سبيل المثال أن الكواكب لا تدور حول الشمس في دوائر كاملة (وإذا كانت تدور طبقا لأرسطو فلا بد أن يكون دورانها في دوائر كاملة. وما كان لأحد أن يتقدم بالملاحظات الدقيقة أو الحساب المعقد الذي يلزم لإثبات أنها لا تتحرك)، وإنما تتحرك في أشكال بيضية، الشمس فيها أحد المراكز. وقد عرف الإغريق الشكل البيضي من دراسة الصور المخروطية، غير أنهم لم يطبقوها قط على محاولة للتثبت من أي «قانون من قوانين الطبيعة».

وكان كبلر بروتستانتيا ألمانيا، مليئا بالرؤى والحماسة. والظاهر أنه أخذ علم الفلك مأخذ الجد، كما فعل كل أهل زمانه فيما خلا المغالين في التشكك أو في العقيدة المسيحية. وقد وضع مشروعا مستفيضا أسماه «عجائب الكون» وفيه يحاول أن يتبين صلات رياضية بين الكواكب والشمس، صلات تثبت تتابعا في العلاقات ثابتا مجردا محضا قام بحسابه من قديم الفيثاغوريون في اليونان القديمة - وهي الأجسام الكاملة «الأفلاطونية»: الهرم، والمكعب، ومثمن الأضلاع، والجسم ذو الاثني عشر سطحا، والجسم ذو العشرين سطحا. ولكن لما اكتشف كبلر أنه قد أخطأ في الحقائق الأولية - فقد قدر المسافة بين بعض الكواكب والشمس تقديرا خاطئا - تخلى عن نظريته. وربما لا نستطيع أن نحصل على خلاصة مركزة لأهمية الطريقة العلمية أفضل من هذه. كان كبلر يبحث عن نظرية للكون، عن مجموعة من الحقائق عن الطبيعة الحقيقية للعالم، تماما كما كان يفعل أفلاطون أو أكويناس. ولكن لما كان تدريبه تدريب العالم، فإن تصحيح الملاحظة - أو القياس - حتم عليه أن يتخلى عن طريقته ويبدأ من جديد. إن الحقائق الأولية الواقعية لا تقف في وجه الفيلسوف بهذه الصورة الواضحة.

وفي هذه القرون اكتمل علم الفيزياء، وبخاصة فرعاه: الميكانيكا والبصريات. وهنا أيضا نجد لجاليليو أهمية بالغة. وتجربته مع الأجسام الساقطة من برج بيزا المائل هي من أكثر النظريات شيوعا في تاريخ العلم. وكان أرسطو قد قال بأن الأجسام تسقط بسرعة تتناسب وأوزانها؛ فالجسم الثقيل يسقط أسرع مما يسقط الجسم الخفيف. وقد أسقط جاليليو مثل هذين الوزنين من برج بيزا المائل، ولاحظ أن مسلكهما لم يكن كما قال أرسطو. ومن هذه الملاحظات، وبتجارب ورياضيات أكثر تقدما، طور نظرياتنا الحديثة عن السرعة وعن الحركة المركبة. ويلاحظ مرة أخرى أن نظرية أرسطو هي نظرية عن شيء «كامل» - الدوائر بدلا من الأشكال البيضية، والحركة المستقيمة التي تحددها طبيعة الجسم المتحرك. أما النظرية العلمية الحديثة فهي أكثر من ذلك تعقيدا بكثير، وهي بحاجة إلى رياضة أعقد للتعبير عنها، ويجب أن تراجع دائما بالنسبة إلى الملاحظة لكي نرى إذا كانت الحركات التي تفرضها (أو تتنبأ بها) تقع فعلا.

وهناك إيطالي آخر اسمه تورشلي اخترع البارومتر، وألماني اسمه فون جريك اخترع المضخة الهوائية. وعمال كثيرون مجهولون عاونوا على اطراد التحسن في العدسات وغيرها من الآلات التي جعلت المقاييس والملاحظة الأدق أمرا ممكنا، ودرس بويل ومساعده هوك الهواء والغازات الأخرى، وبدأ العملية التي استغرقت عاما والتي انتهت باكتشاف الأوكسيجين وتأسيس الكيميا الحديثة.

وقد أشارت كل هذه البحوث إلى مبدأ عظيم ميكانيكي يكمن وراء الطبيعة، إلى مجموعة من قواعد شديدة التعقيد لا يمكن صياغتها إلا في حدود الرياضة العليا، ولكنها مع ذلك قواعد تشير إلى أن الطبيعة كلها إن هي إلا آلة. وقد ألهمت هذه النظرية بالضرورة الباحثين في الميدان الذي نسميه اليوم بالبيولوجيا، وليس الاكتشاف العظيم في الفسيولوجيا في القرن السابع عشر إلا محاولة لتأثر الآراء التقدمية التي قدمها علماء الطبيعة. وفي عام 1628م نشر هارفي تجربته التي تقول بأن قلب الإنسان هو في الواقع مضخة، وأن دم الإنسان يخرج من القلب ويسير في دورة لها نظام معين. وبين بوريلي أن ذراع الإنسان إن هي إلا رافعة، وأن العضلات تقوم «بعمل» آلي. وأخيرا استخدم المنظار المكبر والمنظار المقرب، وحققا نصرا أوليا باكتشاف الكائنات الميكروبية، وربما كان أشهر هؤلاء الميكروسكوبيين الأوائل الرجل الهولندي فان ليوينهوك، غير أن كثيرا من العاملين الأقل أهمية والذين لا نذكرهم اليوم عاونوا - كما كان يحدث دائما في نمو العلوم - في تجميع الوقائع في صبر، وفي تفسير معناها تفسيرا محدودا.

وأخيرا يظهر رجل يضم كل هذه الأعمال تحت حكم عام علمي ضخم، تحت قانون أو قاعدة موحدة - لا تزال في حدود العلوم الطبيعية - تبسط وتشرح، وتربط بين قوانين كثيرة أو قواعد عامة متفرقة في قانون عام واحد يلخص البحوث التي استغرقت ملايين الساعات من وقت الإنسان. والقانون الجديد (وما زلنا في حدود العلم) ليس قانونا نهائيا، كاملا، لا يتغير؛ فمن المؤكد أنه سوف يعدل أو يتبين - فيما نتصور - أنه خاطئ من بعض جوانبه، وذلك بعد مرور الوقت الكافي وإجراء بحوث أخرى . ولكنه لا يزال ثابتا «نسبيا»، وهو بمثابة الأرض المستوية، أو الاستراحة المؤقتة. وكاد جاليليو ينجز هذا العمل، كما أن زهاء الاثني عشر شخصية كبرى غيره مثل كبلر أسهموا إسهاما أساسيا في هذا الحكم العام العظيم، ولكن نيوتن - على كل حال - كان الرجل الذي ضم كل شيء بعضه إلى بعض وكون منه الصورة الآلية الكبرى التي أطلق عليها «آلة نيوتن العالمية». وسوف نعود إلى نيوتن في الفصل الذي سوف نعقده على القرن الذي قدسه، وهو القرن الثامن عشر.

ناپیژندل شوی مخ