111

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

عندما يعلن العالم اكتشافا يقلب المعتقدات السائدة رأسا على عقب، فلا غرابة أن يلاقي مقاومة شديدة، وأن يضطر إلى الكفاح حتى يسمع صوته. والنقطة الشائقة في تاريخ المجتمع الغربي أنه يتمكن من إسماع صوته، وأن الرقابة التي تريد أن تخرسه ضعيفة لا يكاد يكون لها أثر. بل إن هذه الرقابة قد تتحول بطريقة ما من عائق إلى حافز. وحتى في حالة الاستشهاد العلمية المشهورة، حالة جاليليو، فإن الرقابة في نهاية الأمر لم تفعل أكثر من أنها حولت عمل جاليليو إلى مسرحية. وهذا العالم الإيطالي نفسه بني على عمل علماء أسبق منه، حتى رجع في الواقع إلى العصور الوسطى، ولكنه بني بصفة خاصة على أعمال ذلك الفلكي البولندي كوبرنيكس. والقضية معروفة لنا جميعا؛ ذلك أن المنظار المقرب الذي اخترعه جاليليو اختراعا جديدا مكنه من تسجيل وقائع إضافية مثل وجود توابع للمشتري، مما أوحى إليه بنموذج للنظام الشمسي، وبوجود بقع سوداء على سطح الشمس التي دلت بتناقصها الظاهر على أن الشمس تدور حول نفسها. وهذه الملاحظات وكثير غيرها دعمت نظرية كوبرنيكس (وآريستراخ كذلك كما رأينا) التي تقول بأن الأرض تدور حول نفسها في فلك حول الشمس التي تدور هي الأخرى حول نفسها. وكانت العقيدة المسيحية تلزم نفسها إلزاما كاملا بالنظرية الأخرى التي تقول بأن الأرض ثابتة وأن الشمس تدور حولها. وبفعل المشاعر القوية انحاز كثير من الرجال الأذكياء إلى العقيدة التي ترى أن كوكبنا - المكان الذي ضحى فيه المسيح بنفسه - لا بد أن يكون «مركز» كل شيء، والواقع أن الآراء التي كانت تعارض جاليليو كانت لفئات مؤتلفة، ولم تكن قطعا لكنيسة كاثوليكية موحدة ترفض في بساطة قبول علم الفلك. ومن الفئات القوية المعارضة جماعة الجزويت الذين أساء جاليليو إليهم بتجاهله البحوث التي سبقت الجزويت. والواقع أن العصابة التي عارضت جاليليو خليط يلفت النظر من القديم والجديد، ومن المنافسة الأكاديمية (وهي بالتأكيد ليست شيئا جديدا) بين أصحاب المصالح في هذا الصدد، ومن مجرد الغرام بالجديد، وربما أيضا من نوع من القلق الميتافيزيقي؛ لأن الأمل في اللانهائي - أو على الأقل في التعدد - لعوالم يكشف عنها المنظار المقرب، قد أصاب الكثيرين بالرعب والفزع. وأخيرا سيق جاليليو إلى المحاكمة أمام محكمة التفتيش، وآثر الإنكار على أن يحكم عليه بأنه مذنب. ولكن ما كتبه جاليليو لا يمكن أن يلغى أو يمحى. ولم تكن في أوروبا في القرن السابع عشر أية سلطة لها من القوة ما يكفي لكبح هذه الأفكار التي أذاعها جاليليو، فتأكد انتصار نظرية مركزية الشمس.

أما الرجل الذي اقترب جدا من تنظيم ما كانت تعالجه هذه «الفلسفة الطبيعية» الجديدة في حدود عامة فهو فرانسيس بيكون الإنجليزي الذي أصبح فيما بعد اللورد فريولام. ولم يكن بيكون بالرجل الذي يحبه الناس. لم يكن طيبا أو رحيما. وكان يطمع في النفوذ والثراء. وقد تميزت حياته السياسية - التي انتهت بوظيفة حامل أختام الملك - بالانتهازية وانعدام الضمير، وأخيرا اتهم بالخيانة. وقل من العلماء المتأخرين من استطاع أن يعفو عنه باعتباره عالما سيئا، لا يحسن السلوك الذي يبشر به. ولكنه مع ذلك كان ابنا بارا للنهضة الإنسانية، وإن يكن ميلاده قد جاء بعد انقضائها، وكان غزير العلم، متنوع المواهب، نشيطا متحمسا للتقدم في كل اتجاه. بل إن المعجبين به في الأجيال التالية قد نادوا بفكرة من أعجب الأفكار في تاريخ الفكر، وتلك هي أن بيكون هو الذي كتب الأعمال التي تنسب عادة إلى شيكسبير.

صمم بيكون عملا عظيما أسماه «نوفم أرجانم» أو «الأداة الجديدة» ونفذه إلى حد كبير في عام 1620م، وهو من المؤلفات العظمى البذرية الأخيرة في ثقافتنا مما كتب باللاتينية. وكثير مما تضمنه من آراء قد ظهر من قبل في كتابه «تقدم المعرفة» الذي أخرجه بالإنجليزية في عام 1605م. ومن ضلال الرأي أن نقول إن هذا العمل الفريد قد رسم ليكون نوعا من المعارضة ضد أرسطو والرجال المدرسيين. إنما كان هذا الكتاب يطمع في أن يصنف الدراسات العلمية الجديدة ويضع لها منهجا، وهي الدراسات التي كان يأمل أن يظفر الناس عن طريقها بسيادة جديدة على بيئتهم. والكتاب مفعم بالهجمات على أرسطو وتلاميذه في العصور الوسطى، وعلى منطق الاستنباط، مفعم بالنداءات بالرجوع إلى دليل الإدراك الحسي، والرجوع إلى الوقائع، واستخدام الاستقراء. وإليكم بعض الفقرات الهامة من كتاب «الأداة الجديدة»:

إن دقة الطبيعة تفوق أضعافا مضاعفة دقة الحواس والفهم؛ ولذلك فإن كل تلك التأملات، والنظرات المموهة، وكل تلك المظاهر البراقة التي ينغمس الناس فيها، بعيدة عن الغرض. وإنما ليس هناك من يلاحظها.

إن القياس المنطقي لا يطبق على المبادئ الأولى للعلم، كما يطبق عبثا على البديهيات المتوسطة؛ لأنه لا يتكافأ مع دقة الطبيعة. إنه لذلك يتطلب الموافقة على الغرض، ولكنه لا يتملك الموضوع.

القياس المنطقي يتألف من فروض، والفروض من ألفاظ، والألفاظ من رموز لأفكار، ومن ثم فإن كانت الأفكار ذاتها مضطربة (وهي جذور الموضوع)، وإذا كانت قد تجردت من الحقائق على عجل، فإن البناء لا يمكن أن يكون ثابتا، ولذلك فإن أملنا الوحيد ينحصر في استقراء حقيقي.

إن أفكارنا - سواء في المنطق أو في الطبيعة - تتجرد من الصحة. والمادة، والنوع، والعمل، والميل، والجوهر ذاته، ليست بالأفكار السليمة. وأقل منها سلامة صفات الثقل، والخفة، والغزارة، والندرة، والرطوبة، والجفاف، والتوليد، والفساد، والجاذبية، والنفور، والعنصر، والمادة، والشكل، وما إليها. كلها وهمي، غير محدد التعريف.

وليس هناك - ولا يمكن أن يكون هناك - سوى طريقتين للبحث في الحقيقة واكتشافها: الطريقة الأولى تقفز من الحواس والتفصيلات إلى البديهيات العامة. ومن هذه المبادئ - التي تعد صدقها ثابتا لا يتزعزع - تسير نحو الحكم ونحو اكتشاف البديهيات الوسطى. وهذه الطريقة شائعة في العصر الحاضر، والطريقة الثانية تستمد البديهيات من الحواس والتفصيلات، وترتفع في صعود تدريجي لا يتعثر، حتى تبلغ أعم البديهيات آخر الأمر. وهذه هي الطريقة الصحيحة، ولكنها لم تجرب بعد.

وقد كتب مؤرخو الفلسفة والعلوم في إسهاب عن فكرة بيكون عن الاستقراء. وربما كان رأيه فيه - من وجهة نظرنا - ساذجا؛ إذ كان يعتقد أن العالم إذا لاحظ من الوقائع ما يكفي وجد أن هذه الوقائع - بطريقة ما - ترتب نفسها في نظام هو المعرفة الصحيحة. ومن المؤكد أنه في جدله ضد المدرسيين يفترض أن العملية التي نسميها التفكير لا تلعب دورا في عمل العالم. وذلك من غير شك لأنه يطابق بين منطق القياس، الذي يزدريه، والحركة العقلية المجردة. إن قراءة بيكون قراءة فاحصة تقنع الناقد العادل أنه لم يؤمن فعلا بأن العالم ليس عليه إلا أن يتصيد الوقائع ويسجلها، وإن كان لم يفهم في الواقع كما نفهم (وليس فهمنا جيدا جدا) ما يدور في عقل العالم العظيم الخلاق.

ما كان أبعده عن ذلك! إن ما ضلل نقاد بيكون هو في صميمه ما يربطه بالمدرسيين الذين حاربهم حربا مريرة، ويجيل الإنسانيين في النهضة التي ينتمي إليها. كان بيكون يبحث عن حلول ل «المشكلات الكبرى». وظن أنه وجد السبيل إلى «اليقين»، ومن ثم إلى الاتفاق، في تلك الأمور التي تجادل الناس فيها طويلا دون أن يصلوا إلى اتفاق. والعالم الحديث - كما سوف نرى - لا يهدف إلى النظريات التي تتصف بالصدق المطلق الذي لا يتغير. أما بيكون فيهدف إلى ذلك. وهو بميله الطبيعي من «الاسميين» بمعنى الكلمة في العصور الوسطى تقريبا؛ فهو يبدأ بواقع «الأشياء» التي يدركها بحواسه، بيد أنه يتلمس طريقا لكي يصل إلى صيغة من الصيغ الثابتة وسط تيار المعارف الحسية التي يقول الواقعيون في العصور الوسطى إنهم يعرفونها عفوا، بمجرد التفكير أو الاعتقاد. وإذا تبسطنا جدا في الشرح قلنا إن بيكون يريد أن يبدأ بالأفكار الاسمية وينتهي بالأفكار الواقعية.

ناپیژندل شوی مخ