افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
ژانرونه
العلوم الطبيعية
ولما حل عام 1700م بلغت أكثر العلوم التي نسميها العلوم الطبيعية - والتي كانت تعرف في ذلك الحين باستثناء الرياضيات ب «الفلسفة الطبيعية» - مرحلة جعلت تركيب نيوتن الضخم أمرا ممكنا. وفي القرنين السابقين بلغت أكثر النظم العلمية المتفرقة، وبخاصة الطبيعة، وعلم الفلك، وعلم وظائف الأعضاء، درجة النضج كعلوم، وإن لم تصبح بطبيعة الحال علوما نهائية. وعاد إلى الدنيا مرة أخرى ما كان بالإسكندرية الهلينستية منذ ألفي عام: مجموعة من الباحثين والمعلمين، والمعامل، والمجموعات، ووسائل تبادل المعلومات والأفكار - كان هناك بإيجاز بيئة اجتماعية وعقلية تلائم تقدم العلوم. ولم يكن الجيل الأول من الإنسانيين بأكثر فائدة للعلوم الطبيعية من أسلافهم المدرسيين في العصور الوسطى. ولكن باقتراب القرن السادس عشر من نهايته ازدهر علماء مثل جاليليو وسط فناني النهضة. وليس القرن السابع عشر قرن العبقريات فحسب، القرن الذي ظهر فيه رجال من أمثال نيوتن وهارفي وديكارت وباسكال، وإنما هو أيضا قرن تأسيس الجمعيات العلمية الكبرى، كالجمعية الملكية البريطانية (1660م). وأكاديمية العلوم الفرنسية (1666م)، هو القرن الذي بلغ فيه العلم كنشاط اجتماعي سن الرشد، عندما ضاعف من تقدمه مئات من العاملين في جد، الذين تضمهم الجمعيات، ونشر الكتب، ونظام عجيب من نظم المراسلة الخاصة.
ولم يصبح العلم بعد - في عام 1700م - أكثر المهن العقلية احتراما؛ فهو لم يصل بعد إلى المكانة والثروة والقيمة الاجتماعية التي بلغها في القرن العشرين. ولم تفسح التربية الكلاسيكية والتربية الحرة في المجال للعلوم الطبيعية إلا بمقدار تلك العناية التي كانت العصور الوسطى تعطيها لمجموعة العلوم التي كانت تشمل الرياضة وتطبيقاتها المعروفة في الموسيقى والميكانيكا. ولم يكن للعلم التجريبي، وللعلم في المعامل، تقدير كاف في التربية العادية. غير أن المعرفة العلمية في تلك الأزمنة القديمة تسربت إلى عقول جمهور المتعلمين. وكان العلم إحدى الوسائل التي عاونت على نقل الأفكار العقلية في جميع أرجاء العالم الغربي.
ولا نستطيع أن نجيب في بساطة إجابة نهائية عن هذا السؤال: لماذا ازدهرت دراسة العلوم الطبيعية في هذه النقطة المعينة من الزمان والمكان؟ هناك بالتأكيد عوامل متعددة أدت إلى ذلك، كما حدث في مشكلة مشابهة، وهي مشكلة البروتستانتية. لماذا انشق الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر على الكنيسة الكاثوليكية في الغرب بطريقة لم تسبقها بها أية حركة انشقاق أخرى؟ من العوامل الكبرى، وهو عامل يفهمه جيلنا فهما جيدا مما لا يدعونا هنا إلى تأكيده، العامل الاقتصادي، وذلك هو نمو اقتصاد نقدي معقد يديره أصحاب أعمال رأسماليون (أو أصحاب مشروعات). ومن الواضح أن رجال الأعمال هؤلاء كانوا مشغوفين بالتجديد، يريدون تعضيد العلم بالمال، العلم الذي لا يعوقه ما يلابس كثيرا من الأعمال العلمية من سوء المعاملة أو انحطاط التقدير، العلم الذي لا تقيده أهواء التربية الكلاسيكية. إننا نلمس هذا كله، وربما يرجع ذلك إلى أن أكثر هذه العوامل كانت تؤثر بصورة أوضح بكثير منذ نهاية القرن الثامن عشر مما كانت عليه في تلك السنوات الأولى. وقد أشرت من قبل إلى أن رجال العلم تعلموا من أصحاب الحرف ومن التكنولوجيين، بخلاف ما نلمسه اليوم من إفادة التكنولوجيين من رجال العلم، كما أن أبرز رجال العلم كانوا من السادة، بل من النبلاء أحيانا، وقلما كانوا من رجال الأعمال. وقد كان العلم منذ بدايته عالميا حقا، ولم يتقيد بحدود دينية. وإذا كانت إسبانيا لم تخرج إلا قلة من العلماء، في حين أخرجت إنجلترا وفرنسا الكثيرين منهم، فهذا أيضا مما لا نستطيع أن نعلله ببساطة. ويجب كذلك أن نذكر أن الثروة والتنظيم الاقتصادي الحديث المتزايد يرتبط بازدهار العلوم. وليست هذه العلاقة هي كل قصة العلم، ولكنها جانب واضح منها.
وليس هناك سبب مقنع كل الإقناع نرد إليه العلاقة بين نهض العلوم الطبيعية والبيئة الاجتماعية التي تنشأ فيها. ولكنا نستطيع أن نخدع أنفسنا بشيء من البساطة فنقول إن كل انقلاب ثقافي تقريبا في تلك القرون كان له أثره في نمو العلوم؛ لأن العلم - بالرغم من أنه قد يصل إلى أكثر العلوم تجريدا - يعتمد على المحسوسات، والوقائع، وعلى وفرة العدد في الأشياء المادية المختلفة. ومن ثم فإن كل مضاعفة في الوقائع التي يستند إليها له أهميته القصوى بالنسبة إلى أي علم من العلوم الطبيعية. إن المكتشفات الجغرافية في بداية العصر الحديث - التي شجعتها هي ذاتها البحوث العلمية في الفلك، وفنون الملاحة والجغرافيا - قدمت للأوروبيين ألوف الوقائع، وألوف التحديات للعقل المتطلع إلى المعرفة. كما أن اكتشاف البارود في العصور الوسطى بدأ في هذه القرون يستخدم في أغراض عملية حربية، فحث استخدامه على بذل الجهد لمقاومة تأثيره. وأدى ذلك بالتالي إلى بذل الجهود لاختراع مفرقعات أشد منه قوة. وأحب أن أكرر القول بأن هذا من التكنولوجيا والاختراع، وليس من العلم. غير أن هذه المضاعفة في «الأشياء»، وهذا الاهتمام بها، وهذه المحاولة لزيادة الحصول على أشياء معقدة، كل هذا في حد ذاته، ومن حيث تأثيره في عقول الناس، شروط لا غنى عنها من شروط نمو العلوم.
والحرب مثال طيب لذلك. وهناك نظريات - ويقترن أشهرها برجل الاقتصاد الألماني ورنر سمبارت - تقول بأن نمو الحروب القومية على نطاق واسع في تلك القرون هو السبب الجذري في كل شيء آخر نعده حديثا، ما دامت حاجة الدولة إلى المال لكي تدفع رواتب جيش محترف كانت تحث الجهود التي تجعل بناء الدولة أكثر كفاية، وما دامت الحاجة إلى الأشياء المادية التي تستعمل في القتال تحث على التغير الاقتصادي، وما دامت الحاجة إلى أسلحة أشد فتكا في الهجوم والدفاع تحث على التكنولوجيا والاختراع. ومن الطبيعي أن تسيء أشد الإساءة إلى الديمقراطيين والأحرار المخلصين هذه النظرية التي تقول بأن الحرب المنظمة هي مبعث الحضارة الحديثة؛ فشرع هؤلاء الديمقراطيون والأحرار في تأليف الكتب التي تثبت أن الحرب لا شأن لها بظهور الثقافة الحديثة. والواقع أن الطرفين هراء من نوع الجدل الذي يثور حول الكتكوت والبيضة، أيهما سبق الآخر. إنما تضافرت الحروب مع المكتشفات الجغرافية، والمخترعات، والوسائل الفنية في الأعمال، وألوان الترف الحديثة، والمكتشفات، وعوامل أخرى عديدة، كل منها يؤثر في الآخر، وكلها مجتمعة تهيئ الجو المادي للعلم الحديث.
والجو السيكولوجي معقد أيضا تعقيد هذا الجو المادي، وهو بالطبع يتأثر أشد التأثر بهذه المضاعفة في «الأشياء»؛ فهناك دائما المتطلعون إلى المعرفة، وهناك الكثيرون الذين يحبون أن يتصيدوا التجارب الجديدة. وكان هناك رجال عرفوا بالصبر والتنظيم في تصنف التفصيلات، وكثيرون اتصفوا بدرجة من درجات غرائز الجمع، فكانوا يكدسون المواد. والواقع أن الباحث المدرسي في العصور الوسطى كانت لديه من قبل هذه الصفات بدرجة عالية. وأما ما كان مطلوبا لخلق حالة عقلية تلائم تنمية العلوم الطبيعية، فهو أولا الرغبة في تحويل هذه المواهب العقلية، مواهب الصبر، والبحث الدقيق، وجمع الحقائق، من العالم الموقر - عالم البحث الفلسفي والأدبي إلى العالم غير الموقر - عالم الروائح، والأوزان، والمقاييس، والبرودة، والحرارة، وما إلى ذلك مما نألفه اليوم جميعا، وثانيا الرغبة في التخلي عن قدر كبير من الاحترام الشديد لسلطان الكتاب السابقين، وبخاصة أرسطو - كما كانت الحال في العصور الوسطى - والأخذ بعادة مراجعة حتى أدق تفاسير الظواهر الطبيعية، وإخضاعها لاختبارات التجربة والتحقيق.
فكان من الضروري إذن أن تصبح دراسة العلوم الطبيعية محترمة بإمدادها بفلسفة، ليس من الضروري أن تكون ميتافيزيقية، ولكنها على الأقل طريقة وغاية، وقد تم ذلك خلال هذه القرون، وبخاصة على يدي فرانسيس بيكون، الذي سوف نعود إليه بعد حين، ولكنا يجب ألا يضللنا ما يراه فيه العالم الساذج من جدة وتفرد؛ فإن التحول من الباحث، بل من المدرسي، إلى العالم لم يكن في الواقع ثورة معجزة تخلق شيئا من لا شيء؛ فلقد أخذ العالم الحديث عن أسلافه الباحثين هؤلاء الذين ينظر إليهم اليوم بعين الازدراء كل تلك العادات العلمية الوئيدة في التفكير والعمل، وهي العادات اللازمة للعلوم الطبيعية - الصبر، والدقة، وتراكم الرياضيات والمنطق التي حصل عليها الإنسان بمشقة، والجماعة العظمى من الرجال والسيدات الذين يكرسون حياتهم لتربية العقل.
وقبل أن نأتي إلى محاولة بيكون لجعل العلم محترما من الناحية الفلسفية، يجب أن ننظر في عامل ممكن آخر من عوامل نهوض العلم، وهو عامل ربما طرأ على عقل القارئ من قبل. أليست «الحرية» أحد العوامل الأساسية لنهضة العلوم؟ ألم يكن من الضروري للعالم أن يظفر بتحرره من كل صنوف القيود والمحرمات التي عرفتها العصور الوسطى، كما فعل البروتستانتي والإنساني؟ وماذا ترون في جاليليو؟
لنذكر مرة أخرى أن العلاقة بين ازدهار العلوم الطبيعية ودرجة الحرية الفردية أو حرية الجماعة من القيود الشرعية والخلقية في مجتمع من المجتمعات ليست واضحة أو بسيطة بأية حال من الأحوال. قد نرتاح إلى الاعتقاد بوجود ارتباط مباشر: كلما زادت الحرية (الحرية كما نفهمها نحن الأمريكيين) زاد تقدم العلوم؛ إذ من الواضح طبعا أن المجتمع الذي يحرم كل جديد لا يخرج عالما، ما دام العلم يتوقف على أن ينتج فرد من الأفراد شيئا جديدا. غير أن أمثال هذه المجتمعات المستبدة لا وجود لها إلا في الخيال، على الأقل في العالم الغربي، والتاريخ الواقعي يدل على أن العلم نما في أوروبا التي تحكم في أغلب أجزائها ملوك ذوو سلطة مطلقة، وأن العلم يدين بالكثير لرعاية هؤلاء الملوك ووزرائهم. والواقع أن العلم بعدما أثبت شيئا فشيئا أنه نافع في تعزيز تسلط الإنسان على بيئته المادية اقتنعت الطبقات المالكة بقيمة العلم لها بعد ما أثبت العلم تدريجا أنه مما ينفع في تعزيز تسلط الإنسان على بيئته المادية. وكان يسر هذه الطبقات المالكة أن تهب العلماء المال والحماية. ومهما يكن من أمر فإن اكتشاف قانون الجاذبية لم يعرض مصالحهم للخطر بأية طريقة واضحة. إن الحرية للبحث العلمي ليست هي البتة نفس الحرية للتجريب الفني، أو الفلسفي، أو السياسي، أو الخلقي. وليس من شك في أن العلماء يحتاجون إلى أنواع من الحرية، ولكنهم أشد ما يكونون حاجة إلى التحرر من عبء العادة الثقيل ومن سلطان القديم «في ميادينهم الخاصة».
ناپیژندل شوی مخ