109

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

وكما أشرت من قبل عند ذكر تكاثر صنوف الهرطقة في القرنين الثاني والثالث من المسيحية، إلى أن هذا التكاثر هو من بعض الوجوه علامة من علامات قوة الشباب، فكذلك كان تكاثر الطوائف البروتستانتية دليلا على قوة شبابها، دليلا على أن الناس يأخذون مأخذ الجد الصارم المثمر الأمل في حياة أفضل في هذه الدنيا، على الأقل كإعداد واجب وضروري لحياة كاملة في العالم الآخر. وقد كانت هذه الطوائف - وهي في الواقع هرطقات بروتستانتية، بالرغم من أن هذا التعبير قد يسيء إلى البروتستانتية التقليدية في العصر الحاضر - تشتمل على طاقة عارمة، حتى عندما كان هدفها يبدو كأنه النعيم الباطل .

واستقرت البروتستانتية بحلول عام 1700م. روض عصيانها النجاح، وحتى الكالفنيون تم لهم الاستقرار أو ظفروا بالتسامح في كل مكان تقريبا. ولم تتجمد البروتستانتية حتما أو تكتف بذاتها، بل إنها لا تزال تتصف بحماسة التبشير، وبخاصة فيما تقوم به من عمل وراء البحار، وهي لا تزال تضم إليها كثيرا من المسيحيين المتحمسين، إلا أنها قد توقفت عن النضال ضد الكاثوليكية عدوها القديم، كما أن الكنيسة الكاثوليكية ذاتها قد استجمعت منذ منتصف القرن السادس عشر مصادر كبرى من القوى الروحية، وأصلحت من مفاسد دنيويتها ولامبالاتها، ومن الفساد الذي دب في كثير من المواضع في الكنيسة في أواخر العصور الوسطى. كما أنها نسجت غزل الكاثوليكية نسيجا قويا في «مجلس ترنت» دون أن تحور تحويرا أساسيا في قواعدها الدينية أو في طقوسها وشعائرها وأعادت الكنيسة بعد بعثها غزو ألمانيا وشرقي أوروبا بقوة الروح لا بقوة السلاح. وبات من الواضح بعد حرب الثلاثين عاما أن البروتستانتية لا يحتمل أن تكتسح بلادا أخرى في أوروبا. ولم تعد البروتستانتية في أساسها وفي أشكالها التاريخية عقيدة مكافحة. بل إن الطوائف نفسها التي انشقت بعد عام 1700م - ك «أصحاب التقوى» في ألمانيا و«النظاميين» في إنجلترا وأمريكا - كانت في صميمها ما يمكن أن نسميه بغير تجن بالطوائف «المواسية»، وهي جماعات تهدف إلى أن يكون الفرد سعيدا (بالطريقة المسيحية بطبيعة الحال) أكثر مما تهدف إلى غزو هذا العالم والعالم الآخر. وقد اتصف أصحاب التقوى والنظاميون بالعاطفة القوية، واتصف قادتها بالشجاعة النادرة والإخلاص. ولكنك لا تجد عند هذه الطوائف المثالية العاصفة والعنف الموجه الذي تلمسه في البروتستانتية الأولى. إن البحث عن الكمال في هذه الدنيا كان يتجه وجهة أخرى، كان يتجه إلى ما أمسى يعرف ب «التنوير».

الفصل العاشر

صنع العالم الحديث: المذهب العقلي

إننا نواجه مرة أخرى لفظة ضخمة، هي: التعقل. وكأغلب أمثالها من الألفاظ يمكن تعريفها بطرق متعددة. وسوف نعرفها هنا تعريفا عاما جدا كمجموعة من الأفكار تعزز الاعتقاد بأن الكون يسير بالطريقة التي يعمل بها العقل البشري عندما يفكر تفكيرا منطقيا وموضوعيا، ومن ثم فإن الإنسان يستطيع في النهاية أن يفهم كل ما يقع في خبرته كما يفهم - مثلا - مسألة حسابية أو ميكانيكية. ويأمل العقلي أن تهديه في نهاية الأمر القدرات العقلية عينها التي بينت له كيف يصنع ويستخدم ويصون أية آلة منزلية إلى كل شيء يتعلق بأي أمر من الأمور.

وليس ما سبق إلا توضيحا غير رسمي للمذهب العقلي. ولكن توضيح الأمر ينبغي أن يظهر لنا مدى انصراف العقلي الكامل عن العقيدة المسيحية، حتى عن بعض أشكال العقيدة المسيحية المدرسية التي تؤكد قدرة العقل البشري على فهم تدبير الله للكون فهما جزئيا على الأقل. إن هناك بطبيعة الحال كل صنوف التوفيق بين المذهب العقلي والمسيحية، وسوف نلتقي ببعضها في «عصر التنوير». غير أن دفعة المذهب العقلي تتجه بعيدا عن المسيحية. إن العقلي يميل إلى القول بأن المعقول هو الطبيعي، وأنه «ليس هناك ما هو فوق الطبيعي». وهو لا يعترف على الأكثر إلا بالمجهول، الذي لا بد أن يتحول يوما ما إلى المعلوم. وليس في نظامه مكان للإله الشخصي، وليس هناك مجال في عقله للاستسلام الصوفي للإيمان. إن ما يمقته الإنسان بشدة كثيرا ما يدل على معالم فكره. وما يمقته العقلي مقتا شديدا هو «الاعتقاد في المستحيل».

وإذن فالمذهب العقلي يميل إلى أن يبعد الله وما ليس بالطبيعي من الكون. ولا يبقي المذهب إلا على الطبيعي، الذي يعتقد معتنقوه أن من الممكن فهمه في النهاية، وذلك في أغلب الأحيان عن طريق ما يعرفه أكثرنا بطرق البحث العلمي. إن نمو المعرفة العلمية - من الناحية التاريخية - واطراد استخدام الطرق العلمية بمهارة، يرتبط ارتباطا وثيقا باتساع النظرة العلمية إلى العالم، وبصورة الكون في عين العقلي؛ ذلك لأن أكثر العقليين لهم في الواقع نظرة عالمية شاملة، وهي طريقة من طرق الحياة ترتبط باعتقادهم في العقل. وكثير من العلماء المشتغلين بالعلم كانوا ممن يعتنقون المذهب العقلي. وكل عالم يعتقد أننا لا نملك معرفة صحيحة سوى المعرفة التي نصل إليها باستخدام الطريقة العلمية هو - من الناحية المنطقية - إما من العقليين وإما من المتشككين، غير أن العلم والمذهب العقلي - وهذه ناحية هامة جدا - وإن كانا مرتبطين تاريخيا، إلا أنهما ليسا قطعا شيئا واحدا.

فالعلم - سواء بمعنى مجموعة من المعارف العلمية المتراكمة أو بمعنى طريقة من طرق معالجة المشكلات (أي الطريقة العلمية) - لا يعبأ بالميتافيزيقا. وهو - كعلم - لا يمدنا بنظام كوني أو بنظرية من نظريات المعرفة. والعلم كعلم لا يحاول أن يجيب عن المسائل الكبرى التي تتعلق بمصير الإنسان، وتصرف الله في الإنسان، أو الحق والباطل، أو الخير والشر، بل هو لا يسأل هذه الأسئلة. وبعض العلماء كأفراد يكادون ألا يوجهوا سؤالا واحدا فيما يتعلق ب «المشكلات الكبرى». ويكادون أن يسيروا في حياتهم اليومية بدافع العادة أو السلطان، كما يفعل أكثرنا في أكثر الأحيان. ومعنى ذلك أن بعض العلماء ربما لا تشغلهم الميتافيزيقا، أو تقلقهم - فهم في ذلك كأكثر أبناء الجنس البشري (وهذه نقطة لا يعرف عنها إلا القليل حتى السيكولوجيون المحترفون - ومؤلف هذا الكتاب يعتقد أن قليلا جدا في الواقع من الكائنات البشرية من يتحرر تحررا كاملا من القلق الميتافيزيقي، أو على الأقل من الاهتمام بالميتافيزيقا). ومهما يكن من أمر فإن العالم عندما يسأل ويحاول أن يجيب عن أية مشكلة من «المشكلات الكبرى» يكف عن سلوكه كما يسلك العالم. وهو على أقل تقدير إنما يقوم ب «عمل إضافي»، وربما كان يقوم بعمل «مختلف».

وقد ذكرنا في الفصل الأول من هذا الكتاب أن بعض المفكرين المحدثين ينبذون الفكرة التي تقول بأن العلم لا يقوم البتة مباشرة على أساس القيم. وهي فكرة تتحدى التقاليد الغربية الطويلة التي ترى أن الإنسان لا بد أن يستخدم عقله لكي يفسر كل خبراته، وكل عالمه. ومع ذلك فإن التقليد الثابت في مجال العلم هو أن العالم ك «عالم» لا يصدر أي حكم على القيم. والأعماق الفلسفية لهذا الموضوع سحيقة جدا في الواقع، وليس بوسعنا هنا إلا أن نسجل النظرة الثابتة، وأن نذكر أن هناك منحرفين؛ منحرفين ليس بينهم في الانحراف اتفاق اللهم إلا في معارضتهم للنظرة الثابتة المعتمدة. وإذا كان هناك موضوع مشترك بين أولئك الذين يعارضون المذهب الأرثوذكسي في العلوم الذي يرى أن العلم لا شأن له بالقيم، فهو إيمانهم بأن الذكاء البشري يستطيع أن يحل مشكلات الأخلاق، والجمال، بل وأصول الدين، حلا فعالا ناجحا، كما يحل مشكلات العلوم الطبيعية. والظاهر أن الدلائل لا تؤيد اليوم رأيهم، غير أن المشكلة لا تزال قائمة، والحكم الأخير فيها لم يصدر بعد. وربما لا يصدر فيها حكم.

والعقلي - من ناحية أخرى - عنده عادة مجموعة كاملة من الحلول ل «المشكلات الكبرى»، أو هو على الأقل على ثقة من أن الزمن والمثابرة من جانب المفكرين الذين يفكرون تفكيرا صحيحا لا بد أن يتمخضا عن أجوبة، ولا بد أن تكون هذه الأجوبة «صحيحة». إن المذهب العقلي - كما نما في القرنين السادس عشر والسابع عشر في الغرب - هو في الواقع نظام ميتافيزيقي كامل، بل إنه - فوق ذلك - كان لأقلية من الناس - ولا يزال - بديلا عن الدين، وربما كان من الأفضل أن نطلق على المذهب العقلي - باعتباره نظاما شبه ديني - صفات معينة، كالمادية، والوضعية، وما إليهما، مما يشير بصورة أدق إلى المركب الكامل من العقائد والعادات والنظام الذي يتصل بهما. والموازنة الآتية تعطينا صورة تقريبية: المذهب العقلي هو الاصطلاح العام، كالبروتستانتية؛ والمادية والوضعية، والإلحاد - نعم والإلحاد - بل ومذهب التوحيد، أو حتى الاعتقاد في الله مع إنكار الوحي، هي بمثابة الطوائف، كالطائفة التي تنكر وجوب تعميد الأطفال، أو طائفة «الصحابة».

ناپیژندل شوی مخ