108

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

أشرنا في فصل سابق إلى أن من أنواع التوتر في المسيحية ذلك التوتر القائم بين إحساسها بأهمية الفرد باعتباره روحا خالدة، وحاجتها إلى التغلب على شخصية الفرد (أقصد أنانيته وشعوره بأهمية شخصه) إما بالخضوع لله وإما بالذوبان في المجتمع، أو بهما معا، وإنا لنلمس شيئا من هذا التوتر في الديمقراطية الحديثة باعتبارها أسلوبا من أساليب العيش، أو باعتبارها مثلا من المثل، وهو توتر نعبر عنه عادة بالتوتر بين الحرية والمساواة. كلما زادت حرية الفرد، زادت المنافسة، وزاد أصحاب الربح العظيم وأصحاب الخسارة، وكلما زادت المساواة، ازداد الأمن، وزاد الحد من المضاربة، وقلت حرية الفرد.

وهذا التوتر قائم في الكالفنية في صورة معقدة بشكل خاص وذلك أن كالفن كان - كلوثر - مضطرا إلى الاعتراف بقدر من الفردية لمجرد تمرده على الكنيسة القائمة. كان عليه أن يمحو سلطة الكنيسة الكاثوليكية في أذهان تابعيه. ولكي يحقق ذلك كان عليه أن يحثهم على الاستقلال في الفكر. وقد عاون هو وأتباعه - كما أشار إلى ذلك وبروتر ولتش وتوني وغيرهم - على تشجيع الفردية المتنافسة عند رجال الأعمال. إن نضال البيوريتاني مع ضميره كان نضال الفرد الواعي وعيا كاملا باكتفائه الذاتي، أو بعدم اكتفائه - وحتى شعور الكالفني بصغار الإنسان إزاء الإله الرهيب كان تعزيزا لأهمية الفرد هنا في هذه الحياة، ولم يكن في ذلك أدنى تناقض - لأن الإنسان لا يمكن أن يبلغ الوعي بالله إلا كفرد، لا كواحد في مجموعة. وأخيرا كان على الكالفنية خلال سنواتها الأولى أن تناضل ضد السلطة القائمة لمجرد حقها في البقاء كديانة فعالة، وهي لم تبلغ في فرنسا وإنجلترا وألمانيا في سنواتها الأولى ذلك النفوذ الذي بلغته في وقت مبكر في جنيف وبوسطن، وذلك الأمن الذي حققته في القرون المتأخرة حيثما كتب لها البقاء. وكان يتحتم عليها أن تتحدى السلطة - ولقد كان كالفن نفسه صاحب السلطان في جنيف متحررا أحيانا وهو يزجي النصح لأتباعه في كل مكان.

فإن أنت ضممت هذا كله بعضه إلى بعض ربما آمنت بأن كالفن سبق ما صوره الدارونيون الاجتماعيون في القرن التاسع عشر على أنه الوضع الصحيح للإنسان، والمضاربة الكاملة الحرة للجميع في جميع مناحي الحياة، بحيث يتخلف الشيطان بحق في الصفوف. غير أن هذه النظرة خاطئة. ولا عليك إلا أن تغوص في الكالفنية العملية في جنيف في القرن السادس عشر أو في بوسطن في القرن السابع عشر لكي تلمس مجتمعا إسبرطيا من بعض الوجوه في نظامه وجماعيته. كانت تحكم هذه المجتمعات من أعلى أقلية من الفضلاء. ولم تكن هذه المجتمعات «ديمقراطيات» بمعنى الكلمة عندنا. لم تكن جماعات تمتد فيها الجماعية إلى السلع الاقتصادية، وإن يكن وجود الفقراء في كلتا الجماعتين من المسئوليات العامة - على الأقل لأن أخلاق الفقراء كانت بحاجة إلى رعاية. بل لقد كانت هذه الجماعات بمعنى ما ذات أوضاع اجتماعية خاصة، كما يعرف كل من درس التاريخ الاجتماعي القديم لإنجلترا الجديدة؛ فهناك - على سبيل المثال - قوائم قديمة لأسماء الطلبة في هارفارد مرتبة وفقا لنوع من أنواع الوضع الاجتماعي، أو المرتبة الاجتماعية - مما لا نستطيع أن نفهمه فهما واضحا. إننا نعلم أنها ليست مرتبة ترتيبا أبجديا، أو وفقا للتفوق في الدراسة، أو حتى طبقا لدخل آبائهم.

غير أن الكالفنية في الميزان تميل نحو الديمقراطية، وربما كان النفوذ القاطع هنا هو لشكل نظام الحكم في الكنيسة، وسواء أكان شعبيا أم برسبتيريا فلقد كان على أية حال نظاما يسمح لكل أعضاء الكنيسة من ذوي المكانة الاجتماعية الطيبة أن يشترك في الاجتماعات التي تتولى شئون الأبرشية، متحررة من سلطان الأساقفة أو أي سلطان آخر، علمانيا كان أو دينيا. وقد كانت ممارسة هذا النوع من الحكم في القرنين السادس عشر والسابع عشر في إنجلترا الجديدة أقرب إلى أن تكون ضربا واضحا من ضروب أوليجاركية «القديسين» منه إلى أن يكون ديمقراطية أساسها المساواة. غير أن التجربة الكالفنية - برغم ذلك - وقد طرقت في سنوات مقاومة إنشاء الكنائس، كانت لونا من ألوان التدريب الذي ربما انتقل إلى الحكومة الديمقراطية، وأمد هذه الحكومة - في إنجلترا الجديدة على الأقل - بنوع من أنواع أدوات الحكم. بل ربما كانت عادة رجوع الكالفني إلى الإنجيل باعتباره كلمة الله المكتوبة هي التي أعدت الناس للرجوع إلى دستور مكتوب. غير أن هذا حكم من الأحكام العامة التي يشق على المرء التثبت من صحتها.

إن الجناح الأيسر من الحركة البروتستانتية يتألف من عدد كبير من الطوائف المناضلة. وربما وصفناها باليسارية نظرا لأنه لم يكن لإحداها من النفوذ ما يجعلها جماعة مستقرة ينطبق كيانها على كيان دولة عظمى. وحتى «الصحابة» وهي الطائفة التي تعد من كثير من الوجوه أكثر الطوائف نجاحا، والتي كانت قطعا من أكثرها إثارة للاهتمام - حتى هذه الطائفة بقيت دائما قليلة العدد. ويرى الكاتب الذي يريد أن يصنف الطوائف أنها لم تشترك مع غيرها إلا في القليل نسبيا اللهم إلا معارضتها للكنيسة القائمة معارضة مشتتة عامة، وضآلة عضويتها، وكثرة تنوعها. وتعد إنجلترا في القرن السابع عشر من خير الأماكن التي يستطيع الأمريكي أن يدرسها فيه، لانعدام المشكلات اللغوية - وهي المشكلات التي تلابس اللاتينية أو الجرمانية؛ لأنا نعلم أن الرسائل التي لا تحصى التي تتعلق بالنزاع الديني في القرن السابع عشر لم تكتب بلغتنا في العصر الحاضر.

ولو أردنا أن نقدم قائمة كاملة بالطوائف لطال بنا الحديث؛ فقد كان هناك «الحفارون» - وهم شيوعيون إنجيليون بسطاء اعتادوا الحفر في بعض الساحات العامة، التي تشبه الحدائق العامة عندنا تقريبا - بحجة أن الله قد أعطى الأرض للجميع. وهناك رجال «الملكية الخامسة» أو «المؤمنون بعصر ذهبي بعد ألف عام» الذين كانوا يعتقدون بأن الملكية الرابعة من الوحي الإنجيلي كانت تقترب من نهايتها، وأنه قد كتب لهم الدخول في الملكية الخامسة أو الملكية الأخيرة. وكانوا ينقسمون إلى جماعة سلبية تعتقد أن الله هو الذي يتعهد بالعمل الذي يجعل نبوءته صادقة في الوقت الملائم، وجماعة إيجابية رأت ضرورة الخروج والعمل على تحقيق النبوءة بالعنف إن اقتضت ذلك الضرورة. وكانت هناك طائفة «التسوية» واسمها يشرح مذهبها، غير أن هذه الطائفة كانت سياسية أكثر منها دينية. وكان هناك أتباع ليودوفيك مجلتون، ذلك الحائط الملهم، وما زالت هذه الطائفة موجودة باسم «المجلتونيان»، وهو اسم يشق علينا أن نأخذه مأخذ الجد الصارم. وكان هناك البهمنيون، والبديليان، والكوبينيون، والسالمونيون، والحفارون، والتراسكيت، والتيرون، والفيلادلفيون، والكريستادلفيان، والصور المتعددة من المؤمنين بعودة المسيح والمؤمنين بتعميد البالغين وحدهم بالتغطيس، وسيادة أسماء الأعلام - أعني أسماء القادة أو الأنبياء في هذه الطوائف - يشير إلى أنهم يمثلون تشقق البروتستانتية في النهاية بحثا عن نوع من أنواع السلطة النهائية.

وينتمي كثير من الطوائف بشكل واضح إلى ما كان يسمى «حافة الجنون» أو هو يتجاوز هذه الحافة. ودراستها تشوق كثيرا رجل الاجتماع وعالم النفس، الذي يجد منذ ثلاثمائة عام مضت أعراضا لولا الدراسة لظنها من سمات العصر الحديث، ولما فهمها - لذلك - فهما صحيحا . إن مجرد وجودها يعد من علامات الانقلابات الاجتماعية الخطيرة. إن هؤلاء المتطرفين يواجهون المؤرخ - الذي يحاول أن يعالج الأمور الإنسانية معالجة موضوعية دون استياء أو حماسة - بمشكلة خطيرة؛ لأنهم يتصفون بالاستياء الشديد والحماسة الحارة. إنهم لا يتصفون بالاعتدال، يثيرون الشغب حتى يبلغ عنان السماء، ويمقتون الصفات التي يحاول المؤرخ الموضوعي أن ينميها في نفسه. إنه يتخيل أنه يستطيع أن يرى في جلاء ووضوح كيف أن التاريخ كان يسير سيرا أكثر إرضاء للنفوس، وأكثر قبولا، وأشد إنسانية، لولا هؤلاء المثيرون للقلاقل، والذين يطلبون المستحيل. إنه يستطيع أن يرى الجانب الذي لا يسر فيهم - استعدادهم للاضطهاد (إذا هم ظفروا بمكانة يستطيعون منها أن يضطهدوا الآخرين)، وتسلطهم (إذا هم ظفروا بمكانة ذات نفوذ) وتوهمهم العظمة والشموخ، وتركيزهم أفكارهم في ذواتهم، وعجزهم عن تقدير الوفرة المتنوعة من أساليب الحياة الطيبة التي يستطيع الناس أن يحيوها.

وبهذه الطريقة الميسورة من إلقاء اللوم على هؤلاء المتطرفين تفوت الرجل المعتدل عظمتهم، ويعجز عن إدراك نفعهم للمجتمع. وما أضعف الاستعارات الواضحة؛ فهؤلاء المثيرون للزوابع ليسوا في الواقع خميرة، أو كالذبابة التي تلدغ الخيل فتحثها على المسير، وليسوا طليعة المجتمع. إنهم أحيانا كما تصورهم هذه الاستعارات، ولكنهم ليسوا كذلك في أكثر الأحيان. إنهم يذكروننا جميعا - وإن كنا لا نلقي لهم بالا في أكثر الأحيان. إن الإنسان لا يستغني في كرامة عن حافز المثل الأعلى، وهو لا يستطيع أن يخلد إلى الراحة في أمان - حتى إن كانت راحة الموضوعية. كان مونتيني لا يقدر المتطرفين إلا قدرا يسيرا شأنه في ذلك شأن أي إنسان؛ فكان بوسعه أن يقول عن مبالغات الثائرين: «إنني لا أرى عملا واحدا، أو ثلاثة أعمال، أو مائة. وإنما أرى حالة من حالات الفناء التي يقبلها الناس عامة، وهي حالة غير طبيعية، وبخاصة من حيث عدم الإنسانية والخيانة، وهما عندي أسوأ الآثام، حتى إني لا أملك أن أفكر فيهم بغير فزع. وهم يثيرون في من العجب بمقدار ما في نفسي من كراهية. إن عمل هؤلاء الأشرار المتجمعين فيه من علامات قوة الروح وشدتها بمقدار ما فيه من زلل وخلل.»

ويبدو أن بعض هذه الطوائف الجامحة كان من المؤمنين إيمانا مجردا بعصر ذهبي يسود لألف عام - أي إنهم كانوا يعدون بالنعيم على الأرض، ولكن بغير لمسات محسوسة، أو بصورة محسوسة في غير موضعها تدل على رمزية ثورية مستمدة في الأغلب من العهد القديم ومن السفر الأخير من العهد الجديد. غير أن الكثيرين منهم، والكثيرين من المعتدلين في حماستهم، كانوا كما سبق أن اتفقنا على تسميتهم اشتراكيين في غير تحديد. وهم يمثلون تلك الفئة التي تظهر في تاريخ الفكر الاشتراكي. اهتمامهم الأكبر بحل مشكلة الفقر - لا أغنياء، ولا فقراء، وإنما رجال طيبون يشتركون في ثروة هذا العالم كما أرادت لهم الطبيعة وكما أراد الله لهم. وكثيرون يصرون على أنهم إنما يعودون إلى الكنيسة الأولى، التي قالوا إنها كانت شيوعية. وهم جميعا يستخدمون لغة الدين، حتى حينما يعالجون شئونا اقتصادية. إنهم في الواقع لا يختلفون كثيرا عن أسلافهم المتأخرين في العصور الوسطى. إنهم يعادون الكالفنية التقليدية - وإن كانوا يشتركون في بعض المثل الدينية والخلقية الكالفنية - وذلك لما اتضح من أن الكالفنية لا تعتقد في اقتسام الثروة.

وليس من العجيب أن نجد أن بعض هذه الفئات الجماعية هي أيضا فردية في أساسها، بل لقد تصل أحيانا إلى درجة الفوضى. وقد بينت من قبل أن الكائنات البشرية تستطيع فيما يظهر أن تعيش سعيدة وسط متناقضات منطقية متعددة. وللاشتراكيين في العصر الحديث دائما جناح فوضوي. ومهما يكن من أمر فإن من الأحكام العامة الصحيحة التي تربط هؤلاء البروتستانت المتطرفين الأولين ميلهم إلى ما كان يسمى في ذلك الحين «التحلل من قواعد الدين الخلقية». فكان الفرد الذي يعتقد في هذا التحلل يسير في الاتجاه البروتستانتي الأساسي إلى حد التطرف الشديد، وهو التبرير بالإيمان ردا على القول بالتبرير بالعمل؛ فكان يرى أن القانون، والعادة، وأي أمر، إنما هو في الواقع «عمل»، ومن ثم يجب إهماله اللهم إلا إذا دله صوته الباطني على أن ما نص عنه صحيح - وهو لم يكن كذلك عادة في تلك الأيام المضطربة الأولى. الصوت الباطني هو كل ما يهم المرء. وبعض «المتحللين من قواعد الدين الخلقية» اتبعوا في الواقع من الناحية العملية المنطق الذي تعقبناه من قبل وقلنا إنه ينبثق عن قدرية مطلقة. وقد احتجوا بأنه إذا كان الصوت الباطني يقول لهم إنهم من الخالصين، فإن من الواضح إذن أن كل ما يفعلونه من تقدير الله، ولا يعوق خلاصهم. وقد اتهم الثوار - الذين ظفروا في وستفاليا في الأربعينيات من القرن السادس عشر بفترات قصيرة من النفوذ - من جانب خصومهم بكل أنواع الفسق والفجور. وبالرغم من أن المحافظين يتهمون المجددين دائما بالأخلاق الشخصية المنحلة - والجنسية خاصة - التي تصدم الشعور، إلا أنه مما لا شك فيه أن بعض «المتحللين من قواعد الدين الخلقية» قد تابعوا منطقهم في السلوك الذي يعد عادة فوق التبرير المنطقي.

ناپیژندل شوی مخ