102

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

ومثل هذه التبعية هي المصير العام لكل الثائرين في هذا العالم، إذا هم عاشوا بعد نشوب الثورة. وقد كان من السهل دائما من الناحية العملية للثائرين السياسيين، بل والثائرين الاقتصاديين، أن يعيدوا بناء سلطة من السلطات تحل محل السلطة التي ثاروا عليها، وسرعان ما جعلت فرنسا اليعقوبية وروسيا البلشفية الطاعة أمرا له قدره واحترامه. غير أن الثورة البروتستانتية - لسبب ما، وربما كان ذلك في الحق بسبب الطموح السامق إلى الحقيقة الأبدية التي يعالجها الفلاسفة ورجال الدين - لم تحي قط حياة ناجحة على مستوى أسفل من أصولها الثورية. فأبقت نشأتها المتوترة إلى حد كبير حية، على الأقل في حدودها وفي أعماقها؛ فهي لم ترد للناس أن يلتمسوا التبرير إلا في إيمانهم، وهي لم تر أحدا سوى الأحرار من الناس، ولكنها أرادت كذلك عالما نظاميا مرتبا. غير أن ذلك معناه من وجهة النظر الكاثوليكية - كما عبر عن ذلك بوسيه مثلا - أن البروتستانتية تولد دائما مذاهب جديدة، وتحتج على المحتجين الأوائل وأنها تتحول بذلك إلى عالم لا نهاية له، وأن البروتستانتية لا يمكن أن تقوم لها وحدة لأنها لا تستند إلى مبدأ له الكلمة النهائية. ويمكن أن نعبر عن ذلك بصيغة أكثر تقديرا للبروتستانتية فنقول إنها الوارث الحقيقي لفكرة السعي إلى تحقيق كمال سماوي على الأرض، وهو السعي الذي عبرت عنه المسيحية في العصور الوسطى بالعزلة الصوفية، وبالحروب الصليبية، وبإصلاح الأديرة؛ أي بالهرطقة الأبدية. أو قل إن البروتستانتية كانت هي الوريثة الحقيقية حتى جاء عصر التنوير ببشير آخر أقرب إلى هذه الدنيا.

لأن العقائد البروتستانتية الكبرى قبلت العقيدة المسيحية القديمة في الخطيئة الأولى - وهذا حكم عام سلبي مبدئي. وقد بالغ كالفن - كما نعلم - في تصوير الجانب المظلم من النظرة الكاثوليكية إلى الإنسان الحيواني، والكالفنية المتطرفة شديدة التشاؤم فيما يتعلق بقدرة الإنسان على أن يحيا حياة طيبة في هذه الدنيا، وليس مذهب لوثر الذي يقوم على أساس التبرير بالإيمان إثباتا بأن الناس يولدون طيبين، وأنهم يستطيعون باتباعهم رغباتهم الطبيعية أن يعثروا على خير مرشد لهم في الحياة، وقد تمسك لوثر - حتى في أكثر لحظاته فوضوية، في نضاله الأول ضد روما - بمبدأ ضعف الإنسان الطبيعي. وإنما هو الله الذي يهب الإنسان الإيمان، وهو الذي لا «يخلقه»، وهو الذي «يحفظ» الخير له. وإنك لتجد في هامش البروتستانتية - بين بعض الطوائف الهمجية - بوادر المذهب اللاحق الذي جاء ينادي بالخير الطبيعي عند الإنسان. وإنك لتجد كذلك بين من نسميهم «المتحللين من قواعد الأخلاق الدينية» نوعا من الفوضى الواضحة؛ فهم يؤمنون بأنه ليس هناك قانون، أو حكم، أو طقوس، يقيد الروح البشرية في الفرد، ما دامت كل أمثال هذه القوانين، والأحكام، والطقوس، ليست إلا صيغا ثابتة تحد من نشاط الروح البشري الذي يتنوع تنوعا لا نهاية له. ونستطيع أن نربط ما بين «الثورة على قواعد الأخلاق الدينية» وبين الأفكار التي أعقبتها بشأن الخير الطبيعي عند الإنسان، ولكن «الثائرين على الأخلاق الدينية» أنفسهم يتحدثون بلغة الدين المسيحية. وهذا الروح البشري الذي لا يمكن عدلا أن نحبسه هو كذلك الروح المقدس، هو إله مشخص يؤدي عمله في هذه الدنيا.

ويأتي بعد ذلك بوضوح حكم سلبي آخر؛ ذلك أن البروتستانتية لم تكن في تلك القرون حركة عقلية بأي معنى من المعاني البعيدة؛ فإن العقليين المتأخرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر زعموا أن البروتستانتية أمهم، أو إذا استخدمنا استعارة أخرى أقل حدة، قلنا إنهم زعموا أن البروتستانتية كانت هي الطرف الدقيق في الإسفين الذي أخذ يتغلغل في الإنسانية فيحللها من «الخرافة» الكاثوليكية. ونحن نصطدم هنا بصعوبات التعاريف؛ فإن أنت آمنت بأن الحد من عبادة القديسين وعبادة مريم العذراء، وأن الإقلال من الطقوس، وزيادة الاهتمام بالموعظة، وتحوير الدور الذي تلعبه الموسيقى والفنون الزخرفية تحويرا شديدا أو حتى إلغاءه إلغاء تاما، وأقللت تبعا لذلك من علوم الدين - وإن أنت حكمت بأن تنفيذ ذلك مما يوحي به العقل، فالبروتستانتية إذن - إذا قورنت بالكاثوليكية - حركة عقلية. بيد أن كثيرا من هذه التغيرات لم يحدث إلا في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، عندما كان من الواضح جدا أن الحركة العقلية كان لها في الكنائس البروتستانتية من الأثر ما لم يكن لها في الكنائس الكاثوليكية. وإن أنت عدت إلى القرن السادس عشر ذاته واطلعت على الجدل الديني الذي دار في ذلك الحين لتعذر عليك أن تحس أنك في محيط عقلي.

إن ملايين السياح قد شهدوا البقعة السوداء على حوائط قلعة وارتبرج حيث ألقى لوثر بالمحبرة على الشيطان. وليس في هذا ما يثير الشك روحانيا؛ فقد كان لوثر يعتقد فيما يجاوز الطبيعة في ثبات لا يقل عن ثبات أي أوغسطيني أكثر منه إخلاصا. وكان الإله الجبار عند كالفن أمرا حقيقيا كما كان يهوه الذي كثيرا ما يذكره. وقد قاومت البروتستانتية الأولى النظرية العلمية الجديدة التي تتعلق بصلات الأرض والشمس، كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية، ولنفس الأسباب تقريبا. وللمؤسسين البروتستانت الأمريكان المحدثين الذين لا يثقون في الجيولوجيا أو البيولوجيا جذور ثابتة في القرن السادس عشر. وإذا كان البروتستانت (مع وجود بعض الاستثناءات كما هي الحال مع الإنجيليين) قد كفوا عن اعتقادهم في القديسين، فقد استمرت عقيدتهم في الشيطان، وفي الساحرات، وفي كل جيوش الظلام. والواقع أن البروتستانتية قد أحيت معنى المعجزة واللامعقول، بمقدار ما كانت البروتستانتية تعني عند الفرد تجديد المشاعر الدينية العميقة، والابتعاد عما ربما كان يعد شكلية مطمئنة في الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى.

ولم تكن البروتستانتية الأولى - من ناحية ثالثة - متسامحة. ولم يبشر البروتستانت الأوائل بالتسامح الديني أو يمارسوه. ومن الحق - من الناحية التاريخية - أن ممارسة التسامح الديني قد تطورت أولا في البلدان البروتستانتية، وبخاصة في إنجلترا. إن شكل التسامح الشديد الذي يرى أن التسامح الديني إنما نشأ لأن المذاهب الكثيرة قد ملت التقاتل أو حتى الجدل فيما بينها، وأن رجال السياسة العمليين الذين لا يعتقدون إنما استطاعوا أن يتلاءموا مع المذاهب المنهوكة التي لم تعد تحترق بنار الحماسة، وأن النظريات والمثل التي تتعلق بالتسامح الديني لم يكن لها البتة شأن بالعملية كلها - إن هذا الشكل لم يعد يكفي، وفيه إجحاف بالنسبة إلى الجماعات الدينية الصادقة من أمثال «الصحابة» الذين كانوا يرون أن التسامح خير إيجابي، وفيه كذلك إجحاف بالنسبة إلى مئات الكتاب والعمال من جميع النحل من المؤمنين وغير المؤمنين، أولئك الذين جاءوا في هذه القرون التي اتسمت بميسم الجهاد والنضال لكي يدافعوا عن التسامح الديني باعتباره هدفا مطلوبا لذاته. إن التسامح الديني لم يكن هدف لوثر، أو كالفن، أو غيرهما من المكافحين البارزين الناجحين في سبيل قضية أحسوا أنها فوق التجريب وفوق الشك، ومن ثم - بطبيعة الحال - فوق ذلك الجبن أو التراخي الذي يسميه الناس التسامح، نعم إن الدفاع عن التسامح الديني باعتباره خيرا خلقيا قد طرأ فعلا لبعض الأفراد حتى في السنوات الأولى من الإصلاح الديني، ولكن هذا الدفاع كان يصدر عن الشخصيات ذات الأهمية الثانوية. وكان هناك بين الإنسانيين الأوائل ميل نحو التسامح، ونحو التعقل، بل ونحو التشكك. ومع ذلك فإن كثيرا من الإنسانيين كان يتميز بأكثر من مجرد مس من الاندفاع نحو الكمال الذي كانت تنطوي عليه البروتستانتية، وكثيرا منهم، كأرازمس نفسه، كان يفتقر إلى الشجاعة وإلى دوافع العمل في سبيل التسامح الحق.

ولم تعد بي حاجة بعد سرد هذه الأحكام السلبية إلى القول بأن البروتستانتية الأولى لم تكن ديمقراطية بالمعنى الأمريكي التقليدي الحديث، وما أكثر ما كتب عن العلاقة بين الحركة البروتستانتية ونمو الديمقراطية الغربية الحديثة. ويتوقف الكثير - بطبيعة الحال - على تعريف الديمقراطية؛ فإذا أنت أكدت أهمية الحرية الفردية في الديمقراطية، فإن لوثر وكالفن لم يكونا قطعا من الديمقراطيين؛ لأن كليهما لم يعتقد أن المرء يجب من الناحية العملية أن يترك حرا في ارتكاب الخطيئة (ارجع إلى الفصل التالي عن أشكال البروتستانتية). وإن أنت رأيت أن المساواة في الديمقراطية هي نقطة الارتكاز وليست حرية الفرد، اتضح لك بصورة أقوى أن الجماعات البروتستانتية الكبرى لم تكن ديمقراطية؛ فإن جماعة الكالفنيين الممتازين الصغيرة، من القديسين، والظافرين بالخلاص، كانت من أشد الجماعات تمسكا بالأرستقراطية المانعة. وقل من الاتجاهات ما يقل ديمقراطية عن البيوريتان الإنجليز الذين قيل لهم إن أولئك الذين كتب عليهم الجحيم لهم على الأقل أن يستمتعوا ببعض الملذات في هذه الدنيا، فأجابوا بأن مسلكهم يفوح بالروائح الكريهة في أنوف المؤمنين. أما عن اللوثرية فإن تحكمها بالرأي وميولها الأرستقراطية قد اتضحت كثيرا بعد ثورة الفلاحين. وكانت كنيستها في أوائل أمرها ملائمة لطبقة الأرستقراط البروسيين، ولكني أعود فأكرر أن كثيرا من العوامل التي أدت إلى الديمقراطية الحديثة قد جاء عن البروتستانتية الأولى، وإن لم يكن عن غير قصد.

وللأحكام التي سبقت استثناءات، كما أن لكل حكم علم تاريخي استثناء؛ فإن الثورة الإنجليزية في القرن السابع عشر - ولا أعني «الثورة المجيدة» التي نشبت في عام 1689م، وإنما أعني الثورة العظمى التي نشبت في الأربعينيات من القرن السابع عشر - كانت من المصادر الرئيسية للديمقراطية الحديثة؛ ذلك أن الحركات اليسارية في الثورة كانت تجمع بصورة مذهلة بين الأفكار والآمال الدينية والسياسية والاقتصادية؛ فكانت هناك طوائف تؤمن بالعصر الذهبي بعد عودة المسيح ، وطوائف تدعو إلى تحلل المسيحية من القواعد الخلقية، وهناك طوائف أكثر كالفنية من كالفن. وهناك جماعات مثل جماعة «دعاة المساواة» التي تهدف إلى الحرية السياسية بمعنى يقرب جدا من معناها الحديث عندنا، بل إن الجماعات الكبرى، مثل البرزبتيريان، والمستقلين (الداعين إلى تكوين الجمعيات الخاصة) كانت في هجومها على الملوك والأساقفة تدعو إلى سيادة البرلمان، وإلى احترام حقوق الإنسان، والدستور، وإلى كثير من الجانب التنظيمي للديمقراطية. وإنك لتجد - فوق ذلك - بين كثير من هذه الجماعات آراء ديمقراطية عن المساواة، وعن عدم الثقة ديمقراطيا في سلطة تكون قراراتها فوق رقابة الشعب بأسره. إننا نعرف اليوم حق المعرفة أن روح القادة الذين أقاموا المصلحة البيوريتانية المشتركة في خليج ماساشوستس لم تكن ديمقراطية. كما أن الحكومة التي أسسها ونثروب ورفاقه كانت حكومة الصفوة والقديسين. ولكن حتى في ماساشوستس سرعان ما نمت روح المقاومة لهذه الأوليجاركية. وإنك لتجد في روجر وليامز زعيما بروتستانتيا - بالمعنى الكامل في القرن السابع عشر - كان في الواقع كذلك ديمقراطيا فوق كل شيء.

ولكني يجب أن أكرر القول - بالنظرة العامة التي تراها الأحكام السلبية - إن البروتستانت في عهد الإصلاح الديني لم يكونوا ديمقراطيين في روحهم.

وإذا ضممت كل هذا بعضه إلى بعض: الاعتقاد القوي واسع المدى فيما فوق الطبيعة، الذي ربما زاد من قوته تركيزه على الثالوث المقدس وخصومه - أو على الأصح دعاته - الشياطين، وإحساس شديد بالخطيئة، واندفاع متجدد نحو المثل الأعلى، وكراهية الطوائف الأخرى كراهية تنفي التسامح نظريا وعمليا، إذا ضممت كل هذا كان لك كل لا يشبه في الكثير البروتستانتية الأمريكية الثابتة المستقرة في القرن العشرين؛ بروتستانتية «معونة السيدات»، والكشافة، وعشاء الكنيسة، والتبشير الديني في أفريقيا، وكل صنوف الدعاوى الطيبة، من تحريم الخمر، إلى الحكومة العالمية. إنما كانت البروتستانتية الأولى اتجاها همجيا، غير مستأنس، كما كانت بالنسبة إلى المتعقل الهادئ، أو المثالي البريء، أمرا منفرا؛ ذلك لأن البروتستانت الأوائل كانوا لا يزالون يرون - كما كان يرى الناس في العصور الوسطى - عنفا وأمورا مريبة في عالم يحكمه إله جبار، مبهم ، لا تحده الإحصاءات أو العلوم أو الحس المشترك. بل إن البروتستانتي في القرن السادس عشر كان - بمقدار ما كان الإله البروتستانتي أشد ظلاما وإبهاما من إله المدرسيين - يعيش في عالم أشد عنفا وأكثر قلقا من عالم الكاثوليك في القرن الثالث عشر. إن البروتستانتية الأولى جاءت لا لتقيم سلاما، ولكن لتشهر سيفا. والسيف يؤدي إلى نتائج فظيعة دامية. في حين أن «الكشافة» و«معونة السيدات» لا تستخدم السلاح.

أشكال البروتستانتية

ناپیژندل شوی مخ