افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
ژانرونه
ولما كانت البروتستانتية هجوما على النظم القائمة ، فإن بعض الألفاظ التي كانت تستخدمها كانت تلك الألفاظ التي تستخدم لمقاومة السلطان، وكان جانب من مناشدتها يتجه نحو الفرد، حقوقه وحريته، وضد السلطة. لقد ناشد لوثر الإيمان الكامن في صدر الفرد مبتدئا بالأعمال الطيبة التي يفرضها أصحاب النفوذ. إن هناك اتفاقا بين مناشدة البروتستانت للفرد (لأن الناس في ذلك الحين لم يتحدثوا عن الفردية) وبين مناشدة الفردية في القرن التاسع عشر. وقد ذكرنا من قبل - فوق ذلك - أن البروتستانتية قد كانت فعلا في تطورها عونا على المبادئ الفردية للتاجر الرأسمالي. وعاونت على تحطيم المركب الإقطاعي الوسيط في السياسة، ومهدت الطريق للدولة البيروقراطية الملكية ذات الكفاية والخطوط المستوية.
إن محاولة فهم أسباب نجاح أو إخفاق البروتستانتية (على أية صورة من صورها وفي شتى أشكالها) ضد الكاثوليكية فهما محددا بمساحات أرضية محدودة، نوع من المرانة الجذابة في العلوم الاجتماعية التي لم تبلغ بعد حد النضج. إن كل العوامل المتباينة التي تعرضنا لها لها أثرها في كل حالة من الحالات، بل إن هناك كذلك عوامل أخرى. ومن الواضح أنه ليس لدينا مقياس دقيق نقيس به. فلا نستطيع مثلا أن نقول إن كل الشقراوات اعتنقن البروتستانتية، وإن كل السمراوات بقين كاثوليكيات. إن أهل الشمال لم يقبلوا البروتستانتية جميعا، وكذلك لم ينبذها أهل الجنوب جميعا. ولم تكن الشعوب الجرمانية كلها بروتستانتية، كما لم تكن الشعوب اللاتينية كلها كاثوليكية. ولا نستطيع أن نقول إن أصحاب المشروعات وأصحاب الأعمال انقلبوا بروتستانت، وإن المزارعين والفلاحين لبثوا جميعا كاثوليكا.
ومع ذلك فإن بعض العوامل أهم من بعض. وعندي أن الأمثلة المحسوسة في إنجلترا وإيرلندا وفرنسا والأراضي المنخفضة والولايات الجرمانية تدل على أن البروتستانتية تنتشر عندما تطابق الشعور القومي السائد، وتفشل عندما لا تطابقه؛ فقد كان للبروتستانتية في فرنسا مثلا قوة عظمى في القرن السادس عشر. وكان كالفن نفسه رجلا فرنسيا. وبالرغم من الآراء الأمريكية الشائعة عن الخلق القومي الفرنسي، فإن الفرنسيين يعدون من البيوريتان الطيبين كغيرهم. غير أن التاج الفرنسي، وهو بؤرة الوطنية الفرنسية، لم يجن شيئا له أهمية من انفصاله عن روما؛ فقد كان له من قبل بالفعل استقلال عظيم. إن أكثر الفرنسيين لم يطابق بين الفرنسية والبروتستانتية، كما أن أكثر الجرمان الشماليين قد طابقوا بين البروتستانتية والجرمانية. والواقع أن فرنسا في أواخر الحرب الأهلية في القرن السادس عشر، وأقصد أكثر أوساط الفرنسيين، قد طابقوا بين البروتستانتية والخيانة لفرنسا. ثم إن الكالفنية كان معناها الوطنية للهولنديين، ومقاومة الكالفنية - أو الإخلاص للعقيدة الكاثوليكية - كان معناها الوطنية لتلك الأقاليم الجنوبية من البلاد المنخفضة، التي لم تهضم بعد - بل كانت منافسة لبقية الأقاليم - وهذه الأقاليم الجنوبية هي التي أمست بلجيكا الحديثة المستقلة. وأقول عرضا إن هذه المباينة بين هولندا البروتستانتية وبلجيكا الكاثوليكية مباينة تشوق أصحاب النظرية الحتمية الاقتصادية البسطاء، وتغريهم ببحثها؛ لأن هذه المساحات الصغيرة المتجاورة كانت من المراكز التجارية والصناعية لعدة قرون، أي إن اقتصادياتها كانت في إيجاز على تشابه شديد.
وهناك هوة عميقة بين بروتستانتية القرن السادس عشر وفردية القرن التاسع عشر عند الأمريكان الذين ألفوا الكتب الدراسية التي تعادل بين الحركتين. إن أولئك الرجال الذين ابتدعوا البروتستانتية، وبخاصة لوثر وكالفن، لم يكونوا في الواقع حديثين في روحهم (وأنا لا أستخدم لفظ «الحديث» في هذا الكتاب للقدح أو الثناء، وإنما لأشير إلى صفات الثقافة الغربية منذ عام 1700م على وجه التقريب) وهم بالتأكيد لم يؤمنوا بالحرية. إن البروتستانتية يمكن - إذا نظرنا إليها من الناحية التاريخية - أن تبدو وسيطة جدا في ملامحها. والبروتستانتية - وهي تعد بحق أحد العوامل التي صنعت العالم الحديث - قد تحولت تقريبا إلى حركة حديثة بالرغم عنها وبالرغم عن قادتها. لقد كانت البروتستانتية في طبيعتها وأهدافها محاولة وسيطة أخيرة، ومحاولة مسيحية محض عظيمة وأخيرة، لتبرير تصرف الإله في الإنسان بطريقة عملية.
طبيعة البروتستانتية
هنالك في الواقع صور متعددة للبروتستانتية؛ فإن العبادات عند الكنيسة الكبرى الأسقفية لا تشترك إلا في القليل مع العبادات عند الموحدين المتزمتين، أو المؤسسين الأوائل. وسوف نحاول بعد قليل أن نصنف أنواع البروتستانتية المختلفة كما ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ولكنا نستطيع مع ذلك أن نضفي على البروتستانتية بوجه عام صفة واحدة. إن أكثر أوجه الخلاف سلبية، غير أن هذه الصفة إيجابية.
إن حركة البروتستانتية تشف عن شكل معين من أشكال الجذب أو التناقض الذي سبقت لنا الإشارة إليه في صورة الثقافة الغربية الأخرى. كانت البروتستانتية ثورة على سلطة قائمة تمتلك الصفات الخارجية لأي سلطان (كالتنظيم، والقوانين، والطقوس والتقاليد). وقد ناشدت البروتستانتية الناس «ألا يعتقدوا في ذلك أو يطيعوا»، بل ناشدتهم في الواقع - وفي حماسة - أن يعتقدوا في أمور أفضل وأن يطيعوا رجالا أفضل، وقوانين أفضل. وقد أصر أكثر دعاتها نجاحا، لوثر وكالفن، على أن ما دعوا الناس إلى اعتقاده، وإلى طاعته، هو مسيحية يسوع الصادقة، ولم يكن بدعة مستحدثة، وليس هناك بروتستانتي في السنوات الأولى يستطيع أن ينكر حقيقة العصيان، وهو عصيان على كل فرد أن يقرر القيام به. وقد عرض لوثر قضية العصيان صراحة في أخطر عبارات التعبير عنها، وكان رجل عمل يتصف بعدم المبالاة بالاتساق الفلسفي، وهو نوع من عدم المبالاة يبدو للرجل المنطقي ضربا من ضروب الغباء.
وما دام القسيس البابوي يقف عقبة بين الإنسان وربه - كما يقول لوثر في دعواه - فلنتخلص من أي شيء قد يقف مرة أخرى عقبة في وجوهنا. وليكن كل فرد قسيس نفسه. ومن الزعم الباطل أن نفترض أن الله، القادر على كل شيء، العليم بكل شيء، يرضى عن قيام مثل هذه الوسيلة البشرية البسيطة - أعني الكنيسة - لتتدخل في العلاقة بينه وبين مخلوقاته. ثم إن الله قد أوضح نواياه في الكتاب المقدس، الذي يستطيع كل امرئ أن يطالعه بنفسه دون وساطة القسس. وسوف أعود بعد لحظة إلى بعض ما يترتب دينيا على هذه الدعوى اللوثرية الشهيرة الموجهة إلى ضمير الفرد. أما من الناحيتين السياسية والخلقية فقد كان لوثر الذي يبشر بهذه الآراء إنما يبشر بالفوضى؛ إذ كان ينصح كل إنسان أن يصغي إلى شيء في نفسه وأن يهمل كل ما كان خارج نفسه - كالقانون، والعادات والتقاليد، وميراث العصور الوسطى من المسيحية. غير أن لوثر كان في الواقع ينصح المرء أن يصغي إلى نداء ضميره، وقلبه، وجرمانيته، وروحه كلها، وهو يعتقد اعتقادا جازما ساذجا إنسانيا إلى أبعد غاية أن هذا النداء يتفق كل الاتفاق مع ما كان ضمير لوثر نفسه، وقلبه، وجرمانيته، وكل روحه، لا يكف عن دعوته إليه (وما أكثر الأمور التي تبلغ بها البساطة في هذه الدنيا حد بلبلة الخواطر). إن لوثر قد ناشد الرجال الأحرار لأنه كان يعتقد أن كلا منهم لوثر - على صورة مصغرة هادئة، وهي وإن لم تكن موهوبة إلا أنها تشبه لوثر على كل حال. ولما تبين له أثناء ثورة الفلاحين أن الرجال الأحرار إنما كانوا يريدون أمورا أخرى تختلف عما يريده كل الاختلاف - فهم يريدون المساواة الاجتماعية والاقتصادية، ويريدون النعيم على هذه الأرض عاجلا، يريدون في شئون العلاقة الجنسية شيئا أكثر من مجرد قيام القسيس بمراسم الزواج بل يريدون الكثير مما لم يحب لهم أن يريدوه - لما تبين له ذلك أمدهم - طوعا - بنوع من الوساطة بين الله وهؤلاء القوم البائسين. أمدهم بالكنيسة اللوثرية، وهي الكنيسة التي لها قوانينها الخاصة، ومعتقداتها، وأساقفتها، وقسيسوها، ومذهبها العملي الخاص فيما يتعلق بالعمل الطيب. وكان لوثر يرى أن الإقناع بالعقيدة لا يمكن أن يبرر الحركة التي تدعو إلى عدم الإيمان بالتعميد أو التقيد بالقواعد الخلقية الدينية. وإذن فإن الثورة على السلطان قد انتهت بلوثر إلى إقامة سلطاته هو نفسه.
وربما أثارت - أو حيرت على الأقل - الفقرات السابقة كثيرا من البروتستانت في السنوات الأولى؛ فهم لم ينظروا إلى حركتهم باعتبارها محاولة لتحرير الناس حتى يستطيعوا بطريقة ما أن ينسجوا من جديد مصير حياتهم من مصادرهم الباطنية الخاصة. إنما نظروا إلى الحركة التي قاموا بها على أنها محاولة لرد الناس إلى السلطة الحق، وإلى السيد الحق، إلى الله. إن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية قد قلبت كلمة الله، ولكن هذه الكلمة لحسن الحظ ميسورة، ويمكن أن تترجم إلى اللغات الأوروبية الحية. ولما كان الإنجيل ميسورا باللغة القومية فإن القسيس لم يعد صاحب الاحتكار الذي كان له عندما لم تكن هناك سوى الترجمة اللاتينية. وقد عمل كبار المصلحين - وايكليف وهس ولوثر وكالفن - على نشر الإنجيل بلغاتهم على نطاق واسع، وأمكن للمطبعة في القرن السادس عشر أن تخرج الإنجيل بأعداد تكفي الجماهير، وأمسى بوسع كل امرئ أن يكون بين يديه كتاب مقدس. ومن ثم بات الإنجيل هو السلطة الحقيقية التي لا تقبل الجدل؛ فهو من كلام الله وليس من كلام الإنسان.
إن أولئك الذين لا يزالون يعتقدون أن قراءة الإنجيل هي حل لمشكلة الحرية والسلطة أقلية نرعاها فنسميها «طائفة المؤسسين». وأما من وجهة النظر التي اتخذناها عن عمد في هذا الكتاب فإن الإنجيل ليس بالتأكيد هو ما يعنيه أكثر الناس بالسلطة (أو المرجع) فإنك إن دخلت في جدل حول عدد سكان مدينة نيويورك في التعداد الأخير وجدت المرجع في عشرات من أمهات الكتب، ولكنك إن دخلت في جدل حول المعنى الحقيقي ل «العشاء الأخير» استطعت أن تعزز حجتك من الإنجيل، ولكنك بالتأكيد لا تجد للمشكلة حلا نهائيا، وربما وجد الناس في الإنجيل - مع تبسيط الأمور تبسيطا شديدا - ضالتهم المنشودة. وقد دفع رجوع البروتستانت إلى الإنجيل البحث عن الكلمة النهائية خطوة واحدة إلى الوراء، فإن «شخصا ما» لا بد أن يقول ما يعنيه الإنجيل في نقطة ما، و«شخصا ما» لا بد أن يقوم بما يشبه الأعمال التي كان يؤديها الآباء، والشرائع والكنيسة الرومانية منذ زمان بعيد. إن الإنجيل لا يمدنا بالمرجع، إنما يمدنا به مفسروه. وإذن فالمستقل برأيه يجد نفسه مرة أخرى تابعا لغيره في الرأي.
ناپیژندل شوی مخ