100

افکار او خلک: د لويديځ فکر کيسه

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

ژانرونه

وقد أضاف العالم الاجتماعي الجرماني المشهور ماكس وبر قوة جديدة إلى التفسير الاقتصادي. إن وبر يقبل جانبا من التفسير الماركسي وبخاصة تأكيده للنضال الطبقي، واعتناق الطبقة الوسطى الناشئة للبروتستانتية. غير أنه يزعم أن النظرة البروتستانتية إلى الحياة، وأن المثل البروتستانتية الخلقية، لم ترق لمحبي المال الجشعين لمجرد كونها تبريرا لسلب أملاك الكنيسة الكاثوليكية (وهي نظرية كوبت)، بل إن هذه الآراء البروتستانتية - في زعمه - هي أنني شكلت أولئك الذين اعتنقوها وأهلتهم لجمع المال، وكونت منهم الطبقة الوسطى التي نعرفها جميعا. إن فكرة لوثر بأن كل أمرئ له عمل يفرضه عليه الإله، وأن أداء هذا العمل من إرادة الله، هذه الفكرة عاونت على تكوين النظريات الأخلاقية التي آمن بها التاجر الحديث. غير أن كالفن في الواقع هو الذي كان المصدر الحقيقي لهذه النظريات الخلقية. وفي البلدان الكالفنية تم في هذه القرون الأولى ادخار رأس المال الذي مول الثورة الصناعية فيما بعد. إن الكالفنية لم تبشر بكرامة العمل فحسب، بل أصرت عليه؛ لأن الشيطان يترقب الأيدي العاطلة، والعمل جزء من دين الإنسان للإله القوي الجبار. وكان النجاح في العمل دليلا على رضى الرحمن، والربح بطبيعة الحال مشروعا . ومن ثم فإن الكالفني يجد ويجتهد ويكون الدخل. أما من ناحية الإنفاق فالكالفنية لا تشجع البذخ، أو التظاهر، أو الرياضة، أو زينة الكنائس - أو هي بإيجاز لا تشجع الصرف إلا في ضرورات الحياة الفاضلة المتينة. ولما كان الدخل يزيد على الإنفاق فالكالفني يدخر. وهذا الادخار هو رأس المال الذي يعود إلى التجارة. وهكذا يصبح الكالفني رأسماليا، رجلا ثريا، ولكنه يدخل الجنة كذلك، وهو فوق ذلك سعيد كل السعادة لأن النبيل الذي استغرق في الديون والذي كان يتكبر عليه ويؤذي شعوره من قبل لم يمس فقيرا فحسب، وإنما كتب عليه الجحيم كذلك لأنه ليس بالكالفني.

لقد ابتذلت في العبارتين الأخيرتين نظرية وبر إلى حد ما، ولكني عرضتها عرضا واضحا في خطوطها العريضة. إن الحجج التي تساق - على وجه الإجمال - لتفسير نشأة البروتستانتية ونموها تفسيرا اقتصاديا مقنعة للغاية. غير أن هناك أمرا آخر غير ذلك ضروريا. إن الأعراض الاقتصادية - حتى مع ما أضيف إليها اجتماعيا وسيكولوجيا بصورة خفية - لا تدل على الظاهرة المرضية دلالة كافية. ولو كان ارتباط البروتستانتية والرأسمالية - فوق ذلك - ارتباطا قويا، لتطابقا في كل العصور، حتى تنطبق خريطة أوروبا التي تبين مراكز البنوك والتجارة الجديدة الغنية على الخريطة التي تصور نمو البروتستانتية. في حين أن مثل هذا التطابق لم يحدث قط، حتى بعد عام 1800م، عندما مالت البروتستانتية والتصنيع إلى التطابق الجغرافي. وفي أوائل العصر الحديث، قبل الانفجار اللوثري، كانت المراكز الكبرى للاقتصاد الحديث - ميلان وفلورنسة وأوجزبرج والأراضي المنخفضة - في مناطق لم تتأثر إلا قليلا بالحركات السابقة للبروتستانتية. كما أن شمالي إيطاليا ووسطها، وبلاد الشمال الكاثوليكية، وبلاد الراين، وشمالي فرنسا الكاثوليكي استمرت بعد لوثر خلال القرن السادس عشر كله رائدة للاقتصاد الجديد، وليس من شك في أن الكالفنية عاونت على الإبقاء على الروح الرأسمالية وتقويتها، غير أن القواعد الخلقية الكالفنية للنظام الرأسمالي لا تفسر البتة نجاح الحركة البروتستانتية. وليست هذه القواعد إلا مصدرا واحدا من مصادر نجاح البروتستانتية.

وثمة مصدر آخر، هو ذلك المركب من العادات والمصالح والمشاعر التي نسميها القومية، وهي أحد الدوافع القوية في العالم الحديث. والقومية موضوع سوف أعود إليه. وإنما يكفي هنا أن نشير إلى أن مكانة القومية في الإصلاح البروتستانتي يمكن أن تدرس من ناحيتين: قومية الفئات الحاكمة، وقومية الجماهير الكبرى.

ويستطيع المرء أن يسخر سخرية شديدة من دوافع مبدعي البروتستانتية كما فعل هنري الثامن في إنجلترا. كان هنري على طريقة أهل زمانه الذين أخذوا حديثا بمذهب العقل - يتطلع إلى أن يكون رجلا كاملا من جميع الوجوه، باحثا ورياضيا ورجلا من رجال السياسة ومن ثم ألف (أو ألف له كاتب مجهول) دفاعا عن الكاثوليكية يرد به على رسالة لوثر الحديثة عن «أسر الكنيسة البابلي»، وكافأه البابا بمنحه لقبا رسميا هو «المدافع عن الدين». ثم شرع يقطع صلاته بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية وأنشأ ما أضحى فيما بعد «كنيسة إنجلترا» وهي أسقفية بروتستانتية. وفي خلال هذا التحول، تحول كثير من الثروة الضخمة التي كانت تملكها الكنيسة الرومانية في إنجلترا إلى هبات للنبلاء والأعيان الجدد من أسرة تيودور الملكية. وأمسى هنري نفسه رأس الكنيسة الإنجليزية، وكأنه بابا في حدود معينة. وحدث مثل ذلك في تواريخ عشرات من الإمارات الجرمانية.

ولكنا ينبغي - مع ذلك - أن نحذر من الأخذ بالدوافع الاقتصادية الضيقة؛ فإن هؤلاء الحكام وأتباعهم لم يكونوا يهدفون إلى ملء جيوبهم فحسب، وإنما كانوا كذلك يمهدون السبيل للدولة البيروقراطية الحديثة، ويستبعدون مزايا رجال الدين، وأحكام الشريعة، وما كانت الكنيسة الكاثوليكية تزعمه في موقف معين من تحررها تحررا مطلقا من الرقابة العلمانية، هؤلاء الحكام البروتستانت الجدد كانوا يسعون إلى بناء كنائس يمكن أن تقوم بمثابة بوليس الآداب في الدولة. ولكن إذا كان النفوذ والثراء كلاهما في خطر بالنسبة لهؤلاء الحكام، فلماذا لم تكن كذلك ضمائرهم؟ إن أمثال هنري الثامن، أو فيليب هس الجرماني الذي وقف إلى جانب لوثر، كانوا وطنيين مخلصين يعتقدون فعلا أن الإيطاليين الفاسدين كانوا يستغلون أرواح مواطنيهم كما يستغلون أبدانهم. والظاهر أن وطنيتهم كانت تتفق اتفاقا تاما مع مصالحهم الدنيوية حتى إنا لنميل إلى إسقاطها من حسابنا . في حين أن جون هودج وزميله الجرماني رجل الشارع لم يحققا من حملتهما على البابوية سوى إرضاء عواطفهما. ولذا فنحن نحس إحساسا غامضا بإخلاصهما. غير أنه من المؤكد أن المرء يمكن أن يكون على عقيدة حتى في حالات كسبه.

إن عامة الشعب أشبعت عواطفها قطعا، والبروتستانتية في إنجلترا واسكتلندا وهولندا وألمانيا خاصة كانت تنطبق تمام الانطباق على الشعور بالقومية في تلك البلاد. وإنك لتلمس في رسائل لوثر - وبخاصة فيما كتب منها بالألمانية - ومن أكثر ما كتب عن الصراع القائم، حب ألمانيا والثناء عليها، وكراهية «الأجانب» واحتقارهم - والأجانب هنا هم الإيطاليون - ذلك الحب الذي استمعنا إليه أجيالا عديدة. «لأن روما هي أكبر لص وسارق ظهر - أو سيظهر - على وجه الأرض ... لقد خدعنا نحن الألمان المساكين. خلقنا الله لنكون سادة، ولكنا أرغمنا على أن نحني رءوسنا تحت نير الحكام الظالمين ... وقد آن أن يكف الشعب التيوتوني عن أن يكون ألعوبة في أيدي رجال الدين من الرومان.»

وهذه النغمة عينها تسمعها في بلاد بروتستانتية أخرى، وإن تكن أقل من ذلك عجيجا. وقد أخذت بعض البلدان فيما بعد، وعلى سبيل الدفاع، تطابق بين الوطنية والكاثوليكية. ولا شك في صدق هذا الاتجاه لدى القوميات التي خضعت لغيرها، كالإرلنديين والبولنديين. بيد أن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية قد احتفظت دائما بتنظيم عالمي، تنظيم له كثير من صفات سلطة الدولة. أما البروتستانتية فلم تحقق قط في أي وقت من الأوقات مثل هذا التنظيم. ولم تكن اجتماعاتها الدولية سوى اجتماع طوائف، أو مؤتمرات، أو هيئات، ليست لها أية صفة من صفات «السيادة» أو حتى السلطة. وهكذا ترون أن البروتستانتية كانت تتفق وأشكالا معينة من الكيان الوطني، ولم تتفق مطلقا وأي كيان عالمي حقيقي.

إذن فلقد وجدت البروتستانتية في القرن السادس عشر كثيرا من مصادر القوة التي كانت تنقص حركات الإصلاح السابقة. ثم إن البروتستانتية في القرن السادس عشر قد اتخذت - فوق كل شيء - أشكالا عدة، وشكلت نفسها طبقا لكثير من المواقف المحسوسة المتنوعة في كثير من أجزاء الغرب، حتى إنه ليشق علينا أن نفسر نجاحها بسبب واحد. وكانت بعض مبادئها، وبعض طرق الحياة التي تدعو إليها، مبادئ وطرقا تيسر لرجل الأعمال الحديث البرجوازي وسائل العيش. إن البروتستانتية تدين بعض الدين للرأسمالية. وهناك مبادئ أخرى يسرت للحكام وتابعيهم أن يضاعفوا من ثرائهم ونفوذهم. غير أن البروتستانتية تدين بعض الدين لدوافع اقتصادية وسياسية أكثر بساطة وقدما. البروتستانتية جاءت لتعزز اللغة الشائعة، والثقافة الشائعة، والسلوك الشائع للجماعات المحلية التي نسميها الأمم، وهي الجماعات المحلية التي اتخذت صبغتها الخاصة حتى في القرن الثالث عشر. ثم اختلفت البروتستانتية مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية اختلافا واضحا ناجحا، وهي الكنيسة التي كانت لها متاعبها الخاصة التي عانت منها قرونا عديدة، كما كانت لها حركاتها التي قامت بها المجالس الدينية، وأسرها البابلي، وكان فيها المثقفون الساخطون، وأصحاب السير الناجحة البسطاء، وقادتها الدنيويون البارزون، وربما لم يكن لوثر أقوى من وايكليف أو هس. ومن المؤكد أن خصومه أضعف من خصومهما.

ونحن نتساءل - إذا أخذنا بهذا التفسير - ما الذي حدث للحركة البروتستانتية من حيث صحتها، وتقدمها، وحداثتها، وديمقراطيتها؟ أليس الإصلاح البروتستانتي أحد معالم التاريخ في الغرب؟ ثم ألم ينضم البروتستانت - فوق هذا - إلى جانب الحرية الفردية، والحكم الذاتي الديمقراطي، في حين أن الكاثوليك قد انضموا إلى جانب التسلط، والامتياز؟ أولم يكن البروتستانت لذلك حديثين، والكاثوليك متأخرين منتمين إلى العصور الوسطى؟

إن هذه الأسئلة توحي بعنصر ينقص ما قدمنا من تحليل المصادر البروتستانتية، وأحد هذه المصادر الحية الخصبة القدرة الإنسانية الدائمة على التأثر بالمثل الخلقية العليا. إن أكثر الحركات البروتستانتية قد استغلت هذه القوى البشرية الهائلة، كما استغلت قوى أخرى يحب الواقعيون والمتشائمون أن يركزوا اهتمامهم فيها، في حين أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية لم تبذل جهدا ناجحا محكما لاستغلال هذه القوى المعنوية، وذلك لفترة كانت قاضية على قضية الوحدة الدينية في الغرب. ولما بذلت الكنيسة مثل هذا الجهد على أيدي القديس أجناشيوس لويولا والإصلاح الكاثوليكي كان ذلك بعد أن فات الأوان للاحتفاظ بالوحدة الدينية الغربية.

ناپیژندل شوی مخ