والسنة المتبعة المعروفة للجمهور يجريان العمل بها . وبهذا يسقط قول من قال : إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية ، وإذا أضفت إلى ذلك كله حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الاحاديث ، ثم ما جرى عليه علماء الامصار في القرن الاول والثانى من اكتفاء الواحد منهم كأبى حنيفة بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قل ، وعدم تعينه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه - قوى عندك ذلك الترجيح . بل تجد الفقهاء - بعد اتفاقهم على جعل الاحاديث أصلا من أصول الاحكام الشرعية ، وبعد تدوين الحفاظ لها في الدواوين وبيان ما يحتج به وما لا يحتج به - لم يجتمعوا على تحرير الصحيح والاتفاق على العمل به ، فهذه كتب الفقه في المذاهب المتبعة ولا سيما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية ، فيها مئات من المسائل المخالفة للاحاديث المتفق على صحتها ، ولا يعد أحد منهم مخالفا لاصول الدين . أما ما رووه عن أبى هريرة من قوله : إن عبد الله بن عمرو كان يكتب ولا أكتب فليس حجة شرعية وهو لا يدل على أن ابن عمرو كان يكتب بأمر النبي ولا بإقراره فيصلح معارضا لحديث نهيه (صلى الله عليه وسلم) عن كتابة شئ عنه غير القرآن - (على أن ما كتبه عبد الله بن عمرو إنما كان أدعية كما سيتبين ذلك في موضعه) . وقد أورد ابن القيم في أعلام الموقعين شواهد كثيرة جدا من رد الفقهاء للاحاديث الصحيحة عملا بالقياس أو لغير ذلك - ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه - وقد أورد لهذا أكثر من ستين شاهدا (1) . وقد ذكروا أن نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن كتابة حديثه إنما كان لخوفه من إختلاط الحديث بالقرآن ، وهو سبب لا يقتنع به عاقل عالم ، ولا يقبله
---
(1) انظر فيما بعد موقف علماء الفقه من كتب الحديث . وقال رحمه الله في ص 288 من تفسيره السادس : " ونحن نجزم بأننا نسينا وأضعنا من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم حظا عظيما لعدم كتابة علماء الصحابة كل ما سمعوه ولكن ليس منه ما هو بيان للقرآن أو من أمور الدين . (*)
--- [ 51 ]
مخ ۵۰