النهى عن كتابة الحديث كان رسول الله صلوات الله عليه - كما قلنا - مبينا ومفسرا للقرآن بفعله وقوله ، ولكن أقواله في هذا البيان أو في غيره لم تحفظ بالكتابة كما حفظ القرآن ، فقد تضافرت الادلة النقلية الوثيقة ، وتواتر العمل الثابت الصحيح على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تكتب في عهده كما كان يكتب القرآن ولا كان لها كتاب يقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها كما كان للقرآن كتاب ومعروفون يقيدون آياته عند نزولها ، وقد جاءت أحاديث صحيحة وآثار ثابتة تنهى كلها عن كتابة أحاديثه صلى الله عليه وسلم نجتزئ هنا بذكر بعضها : روى أحمد ومسلم والدارمى ، والترمذي والنسائي ، عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله : " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن فمن كتب عنى غير القرآن فليمحه (1) " ، وأخرج الدارمي عن أبى سعيد كذلك : أنهم أستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم . وراية الترمذي عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد قال : استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا (2) . (ومن مراسيل ابن أبي مليكة) أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه (3) . وروى حافظ المغرب ابن عبد البر والبيهقي في المدخل عن عروة - أن عمر أراد
---
(1) لهذا الحديث صيغ كلها تتفق في المعنى . والدارمى شيخ البخاري . (2) ص 91 ج 2 طبع الهند ، وقد أملى النبي صلى الله عليه وسلم كتبا في الشرائع والاحكام جهز بها رسله وعماله في الاقطار المفتوحة بعضها في الصدقات والفرائض ولا يتعدى ما كتب عن الرسول في عصره عشر صحفات في أمور يجب أن تحفظ بنصوصها لكى لا يعتورها التغيير والتشويه . (3) ص 3 تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 . (*)
--- [ 47 ]
مخ ۴۶