وبعبارة أخرى، يمكن القول بأن اقتصاد السوق لا يضاهيه أي شيء في تعزيز ثروة الأمة، وهذه الثروة تنتشر لتصل إلى أشد العمال فقرا. وفي الواقع، إن الفقير في الدول الغنية التي تتبنى هذه المنظومة إنما يعيش حياة أفضل بالمقارنة مع الغني الذي يعيش في الدول الفقيرة التي لا تتبناها. تلك هي رسالة العولمة: تصبح الدول أفضل حالا إذا لم تحاول الإبقاء على الاكتفاء الذاتي أو ترفع الحواجز التي تحول دون التجارة مع الدول الأخرى. (4) تاريخ المؤسسات الاقتصادية
يتناول المجلد الثالث تطور العلاقات الاقتصادية، أحيانا عبر الحدس التاريخي، وأحيانا أخرى عن طريق ثروة من الحقائق التاريخية. ويبدأ سميث هذا الكتاب باقتفاء أثر التطور من الزراعة إلى الصناعة، مؤكدا على أن نمو المدن والاعتماد المتبادل بينها وبين الريف إنما هو أمر طبيعي بالكلية. فالحرفي يحتاج إلى المزارع لإنتاج طعامه، لكن المزارع يحتاج إلى الحرفي لصناعة أدواته، وإلى المدن لما فيها من أسواق لمنتجاته؛ وفي الواقع، كلما كبرت المدينة كبر معها السوق. فالأمر ليس كما يدعي الاقتصاديون «الفيزيوقراطيون» الفرنسيون حينئذ، بأن المدن تعتمد على الريف في معايشها، وإنما يضيف كلا الطرفين القيمة المتأتية من تبادل إسهاماتهما المختلفة.
ويقدم سميث مخططا لتفكك النظام الإقطاعي في أوروبا، ويستكشف جذور القانون الإقطاعي بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، وكيف أدت التجارة إلى الاستعاضة عنه.
34
ويخمن سميث أن الثروة، قبل عصر التجارة وتبادل المنفعة، كانت في قبضة يد كبار أصحاب الأراضي، ولم يكن هناك مفر من أن يصبح هؤلاء البارونات سلطة شرعية محلية أيضا، لكنها كانت سلطة اعتباطية، وتطور القانون الإقطاعي كمحاولة لبث الاعتدال في أوصالها، وإن لم يحرز إلا نجاحا جزئيا. لكن ظهور التجارة وتبادل المنفعة شهد ضمور ثروة أصحاب الأراضي (ومن ثم سلطتهم)، وتحول مستخدميهم إلى مستأجرين مستقلين عنهم، فطالب هؤلاء المستأجرون، الذين أضحت لهم طموحات خاصة بهم، بالمزيد من الأمن؛ فزال النظام الإقطاعي ليحل محله حكم القانون الذي يطبق على النبيل والوضيع على حد سواء. لقد أدى ظهور التجارة إلى فصل السلطة الاقتصادية عن السلطة السياسية؛ والسلطة الاقتصادية قوية بمفردها بلا ريب.
ويرى سميث أن هذه النتيجة مرضية؛ لأنها حمت رءوس أموال الناس، وسمحت بنمو تبادل المنفعة والتجارة والمصنعين تحت مظلة العدل المدني. ومجددا، تحققت نتيجة مفيدة على أيدي مجموعات من الناس لم يكن لديهم أدنى نية لخدمة العامة، وإنما كانت أذهانهم مشغولة بالحرص على ملكيتهم الخاصة وأمنهم فحسب. (5) النظرية والسياسة الاقتصادية
في المجلد الرابع، يصوغ سميث انتقاداته لسياسة التدخل الاقتصادي، فيبدأ من المركنتيلية ورؤيتها الخاطئة بأن المال والثروة وجهان لعملة واحدة، وسياستها التي تسعى إلى الحد من الواردات وزيادة الصادرات من أجل الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الذهب والفضة.
35 (5-1) المركنتيليون والمال
يذكرنا سميث بأن المال ليس إلا أداة لتسهيل التبادل؛ وبما أن التجارة الخارجية تشكل جزءا صغيرا من التجارة الإجمالية، فإن تحركات الذهب عبر الحدود لا يوجد لها أثر يذكر في تدمير أي أمة عظيمة.
بالطبع، يقول المركنتيليون إن الذهب يقاوم عوادي الزمن، وإن الدول التي تصدر إلينا السلع يمكنها مراكمة الذهب على نحو متوحش طيلة عقود، بينما لا نفعل في غضون ذلك إلا تبادل سلع فانية بحماقة مقابل سلعة باقية كالذهب. ويرد سميث على ذلك بأننا نشعر بالرضى التام لاستيراد خمور (فانية) من فرنسا وتصدير أدوات معدنية (باقية) في المقابل، لكن الفرنسيين ليسوا أغبياء كي يراكموا القدور والمقالي بكميات أكثر مما يحتاجونه، وبالمثل يجب ألا نكون أغبياء أيضا فنخزن الذهب والفضة إلى حد يتجاوز الكميات المفيدة. إن الفائض من المعادن غير المفيدة يعتبر رأس مال كاسد، ورأس المال الكاسد لا يأتي بالثراء. (5-2) الميزة المطلقة
ناپیژندل شوی مخ