يتابع الفصل الثالث - عن العمل والمدخرات - هذا التحليل، وهذا الفصل يعد في حد ذاته جزءا جوهريا من كتاب «ثروة الأمم»، لكن المصطلحات المستخدمة قد تشوش القارئ الحديث. إن سميث يقسم العمل إلى «إنتاجي» و«غير إنتاجي»، ويعني ب «العمل الإنتاجي» العمل الذي يتخطى تكاليفه وينتج فائضا يمكن استثماره مجددا، كالعمل الذي يقوم به فريق التصنيع. أما «العمل غير الإنتاجي»، فإنه يعني العمل الذي يستهلك فورا، كالعمل الذي يقوم به الطبيب أو الموسيقي أو المحامي أو محرك الدمى أو المسئول العمومي أو المهرج، وهو عمل لا ينتج مردودا يمكن إعادة استثماره مجددا؛ وبهذا فإن سميث يورد تمييزا أساسيا في علم الاقتصاد الحالي، وهو التمييز بين قطاع التصنيع والقطاع الخدمي.
إن استهلاكنا لهذه الخدمات الفورية يؤدي إلى ترك قدر أقل من الفائض لاستثماره في الإبقاء على رأس المال، الذي يعتمد عليه دخلنا في المستقبل وزيادته؛ فكلما استهلكنا المزيد حاليا، تخلينا عن المزيد من النمو والدخل في المستقبل.
وفي الحقيقة، يمكننا أن نفرط في الاستهلاك حتى لا يتبقى معنا شيء يمكن استخدامه لتوسيع قدراتنا الإنتاجية، بل إننا قد لا نتمكن حينها حتى من «الحفاظ» على هذه القدرات. ويرى سميث أننا - حالنا حال «المسرف» - قد يصل بنا الأمر إلى «استهلاك» رأس المال، من خلال «عدم تقييد نفقاته في حدود دخله»، والقيام بدلا من ذلك بالإنفاق على «الكسل والتراخي من الأموال التي أدى اقتصاد أسلافه ... إلى تخصيصها للإبقاء على المجال الذي يعملون فيه».
28
وقد يتبدد رأس المال أيضا بسبب القرارات الاستثمارية الخاطئة (التي يدعوها سميث «إساءة التصرف»)، وبذلك يذكر المركنتيليين بأن هذا الأمر لا يؤدي إلى إنقاص مخزون الذهب والفضة التي تحتويها خزائن الأمة، لكنه يؤدي حتما إلى تقليل قدرتها الإنتاجية. وإذا غاب حكم القانون، فإن رأس المال يمكن أن يتعرض للسرقة؛ مما يؤدي إلى تقليل الحافز الذي يدفع الناس إلى مراكمة رأس المال في المقام الأول.
لكن «الأمم العظيمة لا تتعرض أبدا إلى الفقر بسبب التبذير وإساءة التصرف من جهة خاصة، لكنها تعاني ذلك أحيانا بسبب صدور الأمر نفسه من جهة عامة».
29
إن الشخص العادي يعلم بأن من الواجب عليه أن يدخر ويستثمر إذا كان يرغب في تحسين وضعه، لكن الحكومات تركز بشكل أقل على أهمية الحفاظ على رأس المال؛ فدورها يتمثل في الإنفاق على الخدمات الحالية، وليس الاستثمار في الإنتاج. ويلاحظ سميث أن كل عوائد الحكومات يتم توظيفها بأكملها تقريبا في الحفاظ على القوى العاملة «غير الإنتاجية»؛ لذلك:
إن من قمة الوقاحة والجراءة ... لدى الملوك والوزراء أن يتظاهروا بأنهم يعتنون باقتصاد الشعب ... فهم أنفسهم، ودون استثناء، أكبر المسرفين في المجتمع ... وإذا لم يؤد إسرافهم إلى تدمير الدولة، فإن إسراف رعاياهم لن يؤدي أبدا إلى هذه النتيجة.
30
ناپیژندل شوی مخ