أما في المدرسة، فقد لاحظ الجميع شغفه بالكتب وذاكرته الاستثنائية، كما أنه انخرط في الدراسة الجامعية في جامعة جلاسكو في سن الرابعة عشرة (وهو العمر الطبيعي لارتياد الجامعة في تلك الأيام)، وهناك درس على يد فيلسوف الأخلاق العظيم فرانسيس هاتشيسون، وهو مفكر عقلاني نفعي صريح يؤمن بحرية الإرادة، وكان مصدر إزعاج للسلطات ، ويبدو أن سميث قد تأثر ببعض خصاله. (2) أوكسفورد والحوافز
كان سميث متفوقا في دراسته الجامعية، ففاز بمنحة دراسية للدراسة في كلية باليول في جامعة أوكسفورد، وعندما بلغ السابعة عشرة في عام 1740، امتطى فرسه وبدأ رحلته التي امتدت لشهر كامل. وبعد أن انفتحت عيناه على الازدهار التجاري لجلاسكو بالمقارنة مع تخلف كيركالدي، رأى حينها في إنجلترا عالما مختلفا، فكتب عن عظمة بنائها وبدانة مواشيها التي لم تكن تشبه أبدا تلك الأنواع الهزيلة التي اعتاد رؤيتها في موطنه الاسكتلندي.
لكن منظومة التعليم في إنجلترا لم تنل إعجابه، بل إنها علمته درسا مهما في قوة الحوافز الضارة التي استعرضها باستهزاء في كتابه «ثروة الأمم». فقد كان أساتذة جامعة أوكسفورد يحصلون على أجورهم من عوائد الأوقاف الواسعة التابعة للجامعة، وليس من الرسوم التي يدفعها الطلبة؛ ولهذا كان «معظم الأساتذة العموميين قد تخلوا خلال هذه المدة الطويلة حتى عن التظاهر بالتعليم»،
3
وكان الهدف من الحياة الجامعية «المصلحة، أو بعبارة أنسب: راحة الأساتذة».
4
وفي خضم ذلك كان سميث يواصل دراسته للاقتصاد بوتيرة سريعة.
على الرغم من تلك الأجواء، فقد تمكن سميث - بفضل المكتبة الهائلة التي احتوتها كلية باليول - من دراسة النصوص الكلاسيكية والأدب ومواد أخرى. وفي عام 1746، ترك سميث أوكسفورد قبل نهاية المنحة الدراسية، وعاد إلى كيركالدي، حيث أمضى هناك عامين من الكتابة في الأدب والفيزياء والمنطق والأسلوب العلمي. (3) سنواته الأولى كمحاضر
بفضل الصلات العائلية، قام اللورد كامس - وهو محام ومفكر بارز - بدعوة سميث لإلقاء سلسلة من المحاضرات العامة في إدنبرة حول الأدب الإنجليزي وفلسفة القانون. ومن هذه المحاضرات، يمكننا أن نستنتج أن سميث حتى في عشرينياته كان يستنبط العديد من الأفكار الرئيسية (كتقسيم العمل)؛ مما سيؤدي لاحقا إلى تشكيل الأسس الجوهرية التي قام عليها كتابه «ثروة الأمم».
أحرزت المحاضرات نجاحا عظيما، ومهدت الطريق للنقلة اللاحقة في حياته المهنية. وعندما بلغ السابعة والعشرين في عام 1751، عاد سميث إلى جامعة جلاسكو لتدريس المنطق وفلسفة الأخلاق والأدب والبلاغة. (وفي ذلك الوقت، لم تكن البلاغة تعني شيئا مما تجسده الآن ، ولم يقصد بها حينها سوى دراسة أسلوب الحديث والتواصل.)
ناپیژندل شوی مخ