145

د ادب الطبيب کتاب

كتاب أدب الطبيب

ژانرونه

وأما فى أمر جسمه، فإنك تعلم ذلك من أغذيته فى أوقاتها، وفى توسطها، وفى اتخاذه لنفسه الجيد من الأطعمة والأشربة، ومن تعاهده لجسمه بتنقيته، وغسله، وإصلاحه، وطيبه. فإن من لم يقدر على صلاح جسمه، ونفسه، فأجدر ألا يقدر على ذلك فى غيره.

وأما من أفعاله مع الناس، ففى وطاءة أخلاقه، وقلة رغبته فى التقدم، والترأس، وطلب الغلبة، واستعمال المحك، واللجاج. وأيضا ففى استعماله العدل فى معاملاته، وأن يريد للناس ما يريد لنفسه، 〈وأن يكون〉 كثير الرحمة والمعروف، لا على طريق البذخ بذلك، والتصيد به، لكن يريد الخيرات لذات الخير.

〈و〉فيما ذكرناه، وأمثاله، يجب أن تفرق بين الأفاضل، وأبناء العلم، وبين أضدادهم. فإن الأفاضل، على الأكثر، للناس كالغذاء، وأحيانا كالدواء. والجهال الأدنياء دائما كالداء، وأحيانا كالسم. فمن وهب الله له سعادة نافعة، فقد وجب عليه إخلاص المحبة للواهب تبارك، والشكر دائما. جعلنا الله وإياكم من الشاكرين، النافعين، بجوده وإحسانه! فإذ قد أخذ هذا الباب بحقه، فليكمل هاهنا، ولنتبعه بما بعده، بمعونة الله تعالى! PageV01P15 2

[chapter 17]

الباب السابع عشر

فى الوجه الذى به يقدر الملوك على إزالة الفساد الداخل على الأطباء، والمرشد إلى صلاح سائر الناس من جهة الطب ، وكيف كان ذلك قديما

وأما على أثر ما تقدم من القول فى شرف صناعة الطب، وانتقاد أهلها، وتمييزهم، بالطرق المبينة للمحق منهم، من المبطل، فإنه يجب أن نذكر من الذى يلزمه، من الناس، إلزام كل واحد من المحقين مرتبته، لئلا يدخل على الناس الفساد، من تعدى بعض المتغطرسين إلى غير مرتبته، وهى المدعون لها محالا، ليظهر بذلك العدل، ويتبين به الحق، ويكون النفع عاما، والصلاح شاملا، وبالله أستعين.

فنقول: إن الخالق تعالى شرف الإنسان بالجزء الإلهى، وهو العقل، على سائر ما فى عالم الكون، لينال بعقله — إذا علم العلوم، ورتب الأمور مراتبها على نظام مستقيم — الشرف الأكمل، والرئاسة العالية. ولما كان الإنسان مخلوقا من إسطقسات متعادية، وكيفيات متضادة، لم يجز بقاؤه بشخصه، مدة بقاء العالم. فأوجبت حكمة الصانع تعالى، بقاءه بنوعه، وجعل ذلك بالتناسل، ولم يكن التناسل يتم، إلا بما فرقه البارئ تبارك من اللذة بالحركة إليه. ولأن الحكمة أيضا أوجبت بقاء الإنسان بشخصه، مدة ما، وكان الإنسان دائما يتحلل من جسمه ما كان يهلكه بسرعة، لو لا ما لطف له الخالق، تقدست أسماؤه، من الغذاء، فلذلك جعل مغتذيا، ولم يكن ليشتاق إلى الغذاء، لولا لذته. فلهذين السببين العظيمين، خلقت اللذة فى الحيوان، فصار الحيوان بطبعه، لأجل اللذة، يغتذى، ويجامع، ولما لم يكن له عقل، صار يأخذ من ذلك بطبعه، حسب الكفاية تارة، وحسب ما تهيأ 〈تارة〉 أخرى. وبين الحيوان فى ذلك اختلاف، وتفاضل.

مخ ۱۵۳