134

د ادب الطبيب کتاب

كتاب أدب الطبيب

ژانرونه

[chapter 16]

الباب السادس عشر فى امتحان الأطباء

وأما بعد ما قدمته من الأقاويل النافعة للأطباء، ولسائر الناس، فإنى قائل فى محنة الطبيب قولا، ليس بدون نفع الأقاويل المتقدمة. وذلك أن محنة الطبيب واجبة، لأسباب أقدمها شرف الموضوع لصناعة الطب، والموضوع هو الإنسان المحتاج إلى استعمال الطب. فإن الغلط من الطبيب إذا وقع بالإنسان، كان أعظم كثيرا من أغلاط أصحاب الصنائع الأخر، لأن النجار، والصائغ، وغيرهما من أهل الصنائع، والمهن، لا تبلغ مقادير أغلاطهم مقدار غلط الطبيب، كما لا يبلغ قدر موضوعاتهم قدر موضوعه، وهو نفس الإنسان، وجسمه. وأيضا فإن الصائغ مثلا، متى غلط فى صناعة الخاتم، أمكنه كسره، وإعادته، وكذلك النجار فى عمل السرير، والإسكاف فى عمل الخف. فأما غلط الطبيب، فليس كذلك، وخاصة إن كان غلطه مهلكا، فاليأس من الصلاح واقع. فلذلك وجب تمييز الأطباء بالمحنة، وانتقادهم بالنظر، والبحث، ليظهر فضل الأفاضل، فتسلم إليهم النفوس، ويظهر جهل المدعين لها، فيحذر على النفوس منهم.

ومن الأسباب الموجبة لمحنة الطبيب، صعوبة الصناعة، وطولها. أما صعوبتها، فلكثرة أصولها، ومن الأحرى أن تكون فروعها أكبر كثيرا. وأيضا لاشتباك أصولها، وفروعها، بعضها ببعض. فلذلك اتسعت الأقاويل فيها، ووضع أهلها فى علمها أصنافا من الكتب، فاستصعب لذلك دركها، وخاصة على أهل الكسل والتوانى، وعلى من غلظت قريحته، وقنع منها بالتكسب باسمها، وبالحيل التى قد نصبها الأشرار، وأصحاب الحيل للناس كالشباك، والأفخاخ، لصيد الحيوانات.

فلذلك يجب أن يفتش عمن ادعاها، لينظر هل هو من أهلها بالحقيقة، لأنه قد أفنى زمانه فى درس كتبها، وفى صحبة أهلها، وفى خدمة المرضى، وعانى من أمرها ما يستحق معه أن يوثق به فى تدبير الأبدان والنفوس، أو هو ممن ينبغى أن يحذر على النفوس منه.

وأيضا فإن من أسباب المحنة للأطباء، ما يظهر من نفعها للأطباء خاصة، ولسائر الناس عامة. أما للأطباء، فتنبه من كان ساهيا، وتحث من كان متشاغلا بغيرها، وتحركه على اقتنائها. وأما لمن كان قاصدا للحيلة فيها على الناس، فتفضحه المحنة، ويظهر خزيه. فيكون بذلك النفع لسائر الناس، شاملا عاما.

مخ ۱۴۱