وقال ابن المعتز: كما أن جلاء السيف أسهل من طبعه، وكذلك استصلاح الصديق أسهل من اكتساب غيره.
وقيل لبزرجمهر: أيما أحب إليك: أخوك أم صديقك؟ قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقي.
وقال أكثم بن صيفي: القرابة تحتاج إلى مودة، والمودة لا تحتاج إلى قرابة.
وقال علي ﵁: لا تقطع أخاك على ارتياب، ولا تهجره دون استعتاب.
وقال آخر: لا تقطع أخاك إلا بعد العجز عن إصلاحه.
وقال الأحنف بن قيس: من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث: ظلم الغضب، وظلم الوالد، وظلم الهفوة.
وقيل لبعض الولاة: كم لك صديق؟ قال: لا أدري؟ ما دامت الدنيا مقبلة علي فالناس كلهم أصدقائي، وإنما أعرفهم إذا أدبرت عني.
فصل في ذم الكبر
قال رسول الله ﷺ: "قال الله تعالى في بعض الكتب: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما قصمته وأهنته".
وقال ﷺ: "لا يدخل حظيرة الفردوس متكبر".
وذكر الكبر عند المعتصم. فقال: حظ صاحبه من الله المقت، ومن الناس اللعن.
وقال بعضهم: إذا نال الشريف رتبة تواضع فيها، وإذا نال الوضيع رتبة تكبر فيها.
وقال يحيى بن خالد: من بلغ رتبة فتاه فيها، فقد أخبر أن محله دونها، ومن بلغ رتبة فتواضع فيها، فقد أخبر أن محله فوقها.
وقال سعيد بن العاص لابنه عمرو: يا بني إياك والكبر! وليكن ما تستعين به على تركه، علمك بالذي كنت، والذي إليه تصير. وكيف الكبر مع النطفة التي منها خلقت، والرحم التي فيها قذفت، والغذاء الذي به غذيت؟ وقال آخر: كيف يتكبر من خلق من تراب. وجرى في مجرى البول، وغذي بدم الحيض، وطوي على العذرة.
وقال آخر التواضع مع البخل والجهل، أحسن من التكبر مع البذل والعقل؛ فأعظم بحسنة غطت على سيئتين، وأقبح بسيئة غطت على حسنتين!
وقال النظام: ما ترفع أحد في مجلس، إلا لضعة يجدها من نفسه.
وقال آخر: لابنه يا بني! عليك بالبشر والتواضع، وإياك والتقطيب والكبر، فإن لقاء الأحرار بما يحبون مع الحرمان، أحب إليهم من لقائهم بما يكرهون مع العطاء؛ فانظر إلى خصلة غطت على مثل البخل فالتزمها؛ وانظر إلى خصلة عفت على مثل الجود فاجتنبها.
وقال ابن الأعرابي: ما تكبر أحد علي قط أكثر من مرة واحدة. أي: لا أعاود لقاءه والسلام.
وقال ابن أبي ليلى: ما رأيت متكبرا قط، إلا اعتراني داؤه.
وقال ابن المعتز: التكبر على المتكبر تواضع.
وقال العتبي: رأيت رجلا يطوف بين الصفا والمروة على بغلة؛ ثم رأيته بعد ذلك راجلا على جسر بغداد. فوقفت أتعجب منه. فقال: لا تعجب إني ركبت في موضع يمشي الناس فيه، فكان حقيقا على الله أن يرجلني في موضع يركب الناس فيه.
فصل
في مدح التواضع
قال رسول الله ﷺ: "من تواضع لله رفعه".
وقال عبد الله بن مسعود: رأس التواضع أن تبدأ بالسلام لمن لقيت، وترضى بالدون من المجلس.
وقال مصعب بن الزبير: التواضع من مصائد الشرف.
وقيل لبعضهم: ما التواضع؟ فقال: هو أن تخرج من بيتك؛ فإذا رأيت من هو أكبر منك، قلت: سبقني إلى الإسلام والعمل الصالح، فهو خير مني؛ وإذا رأيت من هو أصغر منك. قلت: سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني.
وقيل: أصبح النجاشي يوما جالسا على الأرض وعلى رأسه التاج، فأعظم ذلك كبراء دولته. وسألوه عن السبب الموجب له؟ فقال: إني وجدت فيما أنزل الله تعالى على المسيح ﵇: إذا أنعمت على عبدي نعمة فتواضع فيها، أتممتها عليه؛ وإنه ولد لي في هذه الليلة ولد ذكر، فتواضعت شكرا لله تعالى.
فصل
في الحض على اكتساب الأدب
قال أمير المؤمنين علي ﵁: الأدب حلي في الغنى، كنز عند الحاجة، عون على المروءة، صاحب في المجلس، أنيس في الوحدة، تعمر به القلوب الواهية، وتحيى به الألباب الميتة، وتنفذ به الأبصار الكليلة، ويدرك به الطالبون ما حاولوا.
وفال بزرجمهر: من كثر أدبه شرف، وإن كان وضيعا؛ وساد، وإن كان غريبا؛ وبعد صيته، وإن كان خاملا؛ وكثرت الحوائج إليه، وإن كان مقترا.
وقال عبد الله بن المعتز: لن تعدم من الأديب كرما من طبعه، أو تكرما من أدبه.
1 / 10