فإن قيل: كم من طالب رديء الأخلاق قد حصل العلوم ! قيل له: فهيهات، ما أبعدك عن العلم الحقيقي النافع في الآخرة؛ فإن من أوائله أن تظهر للعالم به أن المعاصي سموم مهلكة. وهل رأيت من يتناول شيئا مع علمه بأنه سم مهلك ؟ إنما الذي تسمعه من المتشبهين بالعلماء في التشدق روايات ومسائل تلقفوها من غير معرفة بحقائقها، وليس ذلك من العلم في شيء .
4- أن يقلل طالب العلم علائقه من أشغال الدنيا، ولا يسوف نفسه بالمواعيد الكاذبة ويمنيها بانقطاع الأشغال المتصلة. فإن لكل وقت شغلا، وفي كل زمان عذرا .
فمن أراد العلم بصحة الاجتهاد والجد فليبعد عن الوطن والأهل، فإن العلائق شاغلة عن المطلوب، وصارفة عن درك المأمول، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. فمهما توزعت الفكرة قصرت عن درك الحقائق. ومثال الفكرة المتوزعة على أمور متفرقة كجدول نهر تفرق ماؤه فنشفت الأرض بعضه، واختطف الهواء بعضه فلا يبقى منه ما يجتمع ويبلغ المزرع .
5-أن لا يتكبر على العلم، ولا يتأمر على المعلم، بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل، ويذعن لنصحه إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق فبذلك ينال مطلوبه ويظفر بمأموله .
وينبغي له أن يتواضع لمعلمه، ويطلب الثواب والشرف بخدمته، ثم ليعرف له فضل علمه، وليشكر له جميل فعله ولا يمنعه من ذلك علو منزلته إن كانت له وإن كان العالم خاملا، فإن العلماء بعلمهم استحقوا التعظيم لا بالقدرة والمال. وينبغي له أن يتلطف به ويتذلل ويتملق إليه بفعاله ولا يتجهل؛ لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه، والتذلل له سبب لإدامة صبره .
والملق معناه التودد واللطف الشديد .
مخ ۲