وتعلم مكسيم جوركي، أي علم نفسه.
علم نفسه في عدة جامعات: في المخبز يعجن ويخبز، وفي الباخرة يمتهن أقذر أعمالها، وفي المتجر والمصنع، وفي خدمة البيوت والمكاتب وتصعلك وتسكع.
أي إنه رأى الدنيا رؤية خطرة.
ذلك أنه كان على جرف الهاوية التي كان يمكن أن تجره إلى حبل المشنقة أو سيبيريا المؤبدة، ولكنها رفعته إلى قمة العبقرية؛ لأنه أحب الناس فاهتم بشئونهم وكتب عنهم.
وليست العبقرية شيئا آخر سوى هذا الحب، ثم هذا الاهتمام الذي يحملنا على الدرس والتفكير والبحث والتأليف، والكاتب الذي لا يهتم بالمجتمع الذي يعيش فيه لا يمكنه أن يحس ما فيه من فقر وبؤس وحرمان وجهل، ولذلك لا يمكنه أن يكتب عن هذا المجتمع، بل هو يفر منه إلى موضوعات أخرى لا تمس مجتمعه، وتذهب عندئذ طاقته الأدبية ضياعا وهباء في بحث موضوعات لا تمت إلى عصرنا بصلة، بل هو ينتهي بأن ينفصل ذهنيا وجسميا وماديا عن مجتمعه حتى ليقطن في حي لا يعرفه 999 في الألف من الشعب الذي ينتمي إليه.
لقد تفوق على المجتمع، وانفصل منه.
لقد اختار جان جاك روسو الفقر عن إرادة ووجدان حتى يبقى متصلا بالشعب، وكذلك فعل مكسيم جوركي، وكلاهما بذلك أكسبنا إحساسا جديدا، واستطلاعا جديدا، ونظرة ونبرة جديدتين، أي أعطانا كلاهما حياة جديدة.
إن الأديب يخلق طرازا جديدا من الحياة؛ لأنه، بما يؤلف، يغير النظرة والنبرة للدنيا.
ولست أنكر أني أكره أشياء في حياة كثيرين ممن ألفوا تراجم حيواتهم، ولكني أنكر كذلك أشياء كثيرة في الدنيا والحياة، وحين أطلب الإخلاص من المؤلف لا أعني أن يزوق نفسه ويبدو لي نظيفا طاهرا جميلا؛ فإن الإخلاص يقضي علينا بأن نروي ما رأينا وما كابدنا من قذر ونجاسة وقبح.
ولكن شرطا واحدا يبقى؛ هو الإخلاص الذي يزكينا.
ناپیژندل شوی مخ