وليكن حسبك -أيها المغرور- منها ما يبلغك المحل، وإياك أن تظن أنك تباهي يوم القيامة بمالك وولدك، هيهات أن ينفعك شيء من ذلك يوم يقوم الحساب، ذلك يوم تذهب الدنيا فيه بحالها، وتبقى الأعمال قلائد في أعناق عمالها.
وكان يقول: أيها الناس! خذوا صفو الدنيا، ودعوا كدرها؛ فليس الصفو ما عاد كدرا، ولا الكدر ما عاد صفوا. دعوا ما يريبكم إلى مالا يريبكم؛ ترتجى السلامة في العاجلة والآجلة لكم. وقد رأيت أقواما كانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم عليكم منها.
وكان يقول: ما أعطي رجل شيئا من الدنيا إلا قيل له: خذه ومثله من الحرص.
وكان يقول: من حمد الدنيا، ذم الآخرة، وليس يكره لقاء الله إلا مقيم على سخطه.
وكان يقول: ابن آدم! ما أعطاك الله تعالى الدنيا إلا اختبارا، ولا زواها مذ خلقها عن عباده المؤمنين إلا اختبارا.
قال الحسن بن جعفر: سمعت مالك بن دينار يقول: الدينار والدرهم أهون من النوى، فعرفت ذلك الحسن بن أبي الحسن، فقال: يرحم الله مالكا، هما أهون علي من الحصباء، النوى تأكله الدواب، وينتفع به الناس، والدراهم تقتل من كسبها من غير حلها، وتهوي به في نار جهنم وبئس المصير.
وكان يقول: إن مما يزهد ذا الهمة في الدنيا، ويلزمه تركها، ويوجب عليه ألا يحرص عليها: علمه بأن الأرزاق لم تقسم فيها على قدر الأخطار.
مخ ۶۹