ادب عرب
أدب العرب: مختصر تاريخ نشأته وتطوره وسير مشاهير رجاله وخطوط أولى من صورهم
ژانرونه
بعد الحجاج:
وظلت الخطابة بعد الحجاج كما كانت في عهده، واتخذوه مع زياد وعلي مثلا أعلى لإجادة القول والإتقان، فتحداهم من جاء بعدهم، ومن هذا التحدي تقرر بعض أصول للخطابة.
ثم كثرت المقالات الدينية والسياسية وكثرت المناظرة، واستحالت الخطابة آخر عهد بني أمية فصارت أقرب إلى الخطابة السياسية، واشتد هذا الجدل حتى قام مقام الخطابة أيام العباسيين. (3) النثر الفني
لم يكن للجاهليين نثر فني بالمعنى الدقيق، إنما كانت لهم لغة غنية عذبة في آخر الجاهلية وأول الإسلام، وكانت كتاباتهم كحروف في أعمالهم التجارية، وربما كتبوا رسائل قصيرة في حاجاتهم، ولم تكن لغة التراسل إلا لغة التخاطب.
أما الكتابة فشاعت وعمت بعد هجرة النبي كما قلنا سابقا. حث النبي على تعلم الكتابة، وصدرت عنه وعن أصحابه كتب مثلت فصاحتهم وطريقتهم الخاصة في التعبير، وما هي إلا لغة حديثهم الخاصة والعامة؛ أي إنه لم يكن فرق ظاهر بين لغة الكتابة ولغة الخطابة ولغة الحديث.
فكثرة المصالح واختلاف الآراء والتنافس بين الأحزاب، رقى الخطابة وطورها. وهذه الأسباب أيضا جعلت حاجة الدولة إلى الكتابة قوية شديدة لبعد المسافات والحاجة إلى الاتصال بالولاة والعمال. على أن بين الخطابة والكتابة في هذا العصر فرقا لا بد من ملاحظته.
فالخطابة عربية خالصة نشأة وتطورا في القرن الأول، أما الكتابة فظلت عربية خالصة حتى كثرت المصالح وتعقدت، وكانت الفتوح، فاضطر المسلمون إلى تنظيم الدولة ووضع الأصول والقواعد التي تجري عليها الإدارة وأمور الجيش، والخراج.
كان العرب يجهلون هذه الإدارات فاستعانوا بالأمم المغلوبة، واستعاروا لذلك نظمها بادئ بدء، فكان النظام فارسيا في العراق وفارس، ويونانيا أو قبطيا في الشام ومصر، حتى انقضى الجيل الأول، فعرف العرب اللغات الأجنبية وأحسن الأجانب اللغة العربية، فنقلت الدواوين إلى اللغة العربية في جميع أقطار الدولة.
بدأ ذلك في أيام عبد الملك وتم رويدا رويدا، وكان الأجانب الذين تعلموا اللغة العربية أكثر من العرب الذين تعلموا اللغات الأجنبية، فاستمر الخلفاء يستعينون بالكتاب والعمال من الموالي، وعني هؤلاء بكتابة الدواوين عناية عظمى، واتخذوها وسيلة يحفظون بها لأنفسهم شيئا من المكانة ويرقون بها إلى استرضاء الخلفاء والولاة.
فإتقان هؤلاء الموالي صناعتهم الفنية، وخدمتهم اللغة العربية، ومعرفتهم بميل العرب وحرصهم على جودة القول والبراعة فيه؛ أظهرت في الأدب العربي هذه الظاهرة التي لا نجدها إلا قليلا في تاريخ الأمم القديمة الأخرى، وهي: أن الرسائل الرسمية الفنية أصبحت مظهرا للجمال الفني الأدبي، يجد قارئها لذة فيها كأنه يستمع لشاعر مجيد أو خطيب حاذق.
ناپیژندل شوی مخ