ادب د دنيا او دين
أدب الدنيا والدين
خپرندوی
دار مكتبة الحياة
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
۱۴۰۷ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
تصوف
فَقَالَ: فَإِذَا ذَهَبْتَ يَكُونُ مَاذَا؟ فَقَالَ:
يَكُونُ عَنْ حَالِي لَتُسْأَلَنَّهْ ... يَوْمَ تَكُونُ الْأُعْطَيَاتُ هَنَّهْ
وَمَوْقِفُ الْمَسْئُولِ بَيْنَهُنَّهْ ... إمَّا إلَى نَارٍ وَإِمَّا جَنَّهْ
فَبَكَى عُمَرُ ﵁ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ أَعْطِهِ قَمِيصِي هَذَا لِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا لِشِعْرِهِ أَمَا وَاَللَّهِ لَا أَمْلِكُ غَيْرَهُ.
وَإِذَا كَانَ الْعَطَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ خَلَا مِنْ طَلَبِ جَزَاءٍ وَشُكْرٍ، وَعَرَى عَنْ امْتِنَانٍ وَنَشْرٍ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشْرَفَ لِلْبَاذِلِ، وَأَهْنَأَ لِلْقَابِلِ. وَأَمَّا الْمُعْطِي إذَا الْتَمَسَ بِعَطَائِهِ الْجَزَاءَ، وَطَلَبَ بِهِ الشُّكْرَ وَالثَّنَاءَ فَهُوَ خَارِجٌ بِعَطَائِهِ عَنْ حُكْمِ السَّخَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنْ طَلَبَ بِهِ الشُّكْرَ وَالثَّنَاءَ، كَانَ صَاحِبَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ، وَفِي هَذَيْنِ مِنْ الذَّمِّ مَا يُنَافِي السَّخَاءَ. وَإِنْ طَلَبَ بِهِ الْجَزَاءَ كَانَ تَاجِرًا مُتَرَبِّحًا لَا يَسْتَحِقُّ حَمْدًا وَلَا مَدْحًا.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ﴾ [المدثر: ٦] إنَّهُ لَا يُعْطِي عَطِيَّةً يَلْتَمِسُ بِهَا أَفْضَلَ مِنْهَا. وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ﵁ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِك تَسْتَكْثِرْ عَلَى رَبِّك. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
وَلَيْسَتْ يَدٌ أَوْلَيْتَهَا بِغَنِيمَةٍ ... إذَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ تُعِدَّ لَهَا شُكْرَا
غِنَى الْمَرْءِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ سَدِّ حَاجَةٍ ... فَإِنْ زَادَ شَيْئًا عَادَ ذَاكَ الْغِنَى فَقْرَا
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَرِيمَ يُجْتَدَى بِالْكَرَامَةِ وَاللُّطْفِ، وَاللَّئِيمُ يَجْتَدِي بِالْمَهَانَةِ وَالْعُنْفِ، فَلَا يَجُودُ إلَّا خَوْفًا، وَلَا يُجِيبُ إلَّا عُنْفًا، كَمَا قَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
رَأَيْتُك مِثْلَ الْجَوْزِ يَمْنَعُ لُبَّهُ ... صَحِيحًا وَيُعْطِي خَيْرَهُ حِينَ يُكْسَرُ
فَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ الْمَهَانَةُ طَرِيقًا إلَى اجْتِدَائِك، وَالْخَوْفُ سَبِيلًا إلَى إعْطَائِك، فَيَجْرِي عَلَيْك سَفَهُ الطَّعَامِ، وَامْتِهَانُ اللِّئَامِ، وَلْيَكُنْ جُودُك كَرْمًا وَرَغْبَةً، لَا لُؤْمًا وَرَهْبَةً، كَيْ لَا يَكُونَ مَعَ الْوَصْمَةِ، كَمَا قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْأَحْنَفِ:
1 / 200