وبهذا يتبين أن الفعل النبوي لا يخرج بالداومة عليه عن أن يكون فعلًا مجردًا.
العاشر: ونقله الزركشي عن الصيرفي: "أن يفعل ﷺ بين المتداعِيَينْ فعلًا على سبيل الجبر. فيعلم أنه واجب. قال: وكذلك ما أخذه من مال رجل وأعطاه لآخر. فيعلم أن ذلك الأخذ واجب" (١).
وقال الجصاص: "ما فعله ﷺ من استخراج حقٍّ من رجل لغيره، ومن عقوبة رجل على فعل كان منه، فهذا على الوجوب، لأن ذلك لا يجوز على جهة الإباحة والندب" (٢). قال ﷺ: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" (٣). وقال الله تعالى: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾ (٤).
ولهذا النوع شبّه بالنوع السادس المتقدم، إلا أن هذا في القضاء والأمور التنفيذية خاصة.
والزركشي ذكر النوعين كليهما.
والذي نقوله في هذا النوع، إنه لا يدل على وجوب الفعل عل النبي ﷺ، وإنما يدل على أن من أوقعت به العقوبة، أو أُخذ منه المال، مستحقٌّ لذلك، وأنه قد وجب عليه. فلا يدل ذلك على وجوب القضاء أو التنفيذ.
وقد قال الله تعالى: ﴿فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تُعرض عنهم فلن يضروك شيئًا﴾ (٥) فلو جاءه أهل الكتاب، ليحكم بينهم، وقد جاؤوه فعلًا فحكم بينهم ورجم الزانيين، فلا يدلّ ذلك على أن الحكم بينهم والتنفيذ كان واجبًا عليه، بنصّ الآية المذكورة.
ونظير ذلك وليّ الدم في جناية العمد، له أن يقتص، فإذا اقتصّ لم يصح
(١) البحر المحيط ٢/ ٢٥١ ب
(٢) أصول الجصاص. ٢١٠ أ
(٣) مسلم وأبو داود (الفتح الكبير)
(٤) سورة البقرة: ١٨٨، والنساء: ٢٩
(٥) سورة المائدة: آية ٤٢