183

Acts of the Messenger ﷺ and Their Indications for Sharia Rulings

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

خپرندوی

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

السادسة

د چاپ کال

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

ژانرونه

المؤمنين، بأن أرسل الله على الكافرين ﴿ريحًا وجنودًا لم تروها﴾. ذكّر الله المؤمنين بأن الكفار جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، حتى ظنّوا باللُه الظنون وزلزل المؤمنون زلزالًا شديدًا، وأرجف المنافقون والذين في قلوبهم مرض، وبدأوا يتسرّبون من مواقعهم بأعذار كاذبة يريدون الفرار، وانهارت مقاومتهم، لما كانوا عليه من الجبن الخالع، لضعف إيمانهم أو انعدامه. ثم قال تعالى: ﴿يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم﴾ أي لو عاد الأحزاب إلى حصار المدينة، لودّ هؤلاء المنافقون، والمرضى القلوب، لو أنهم في البادية، بعيدين عن موطن القتال، لا يصلهم منه إلا الأخبار.
ثم تأتي الآية التي معنا ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾ يحتمل أن الخطاب فيها للمنافقين، تبكيتًا لهم على مواقفهم الدنيئة التي وقفوها، وتذكيرًا لهم بما كان ينبغي لهم أن يفعلوه. ويحتمل أن الخطاب فيها للمؤمنين (١) تأييدًا لموقفهم وثناءً عليه وتثبيتًا لهم.
والأولى أن يقال: هو خطاب للمجموعة كلها مؤمنها ومنافقها. وتعني الآية أن الله رضي من عباده المؤمنين الصبر في مواطن البلاء، تأسّيًا بالنبي ﷺ، وكره من المنافقين عدم تأسّيهم به ﷺ في ذلك.
إلاّ أن لفظ (الأسوة) مما ينظر فيه.
فمادة (أس و) تكون بمعنى مداواة الجراح. تقول العرب: أسوت الجرح، وفي كلامهم: الآسي وهو الطبيب، والآسية الخاتنة، والإساء الدواء.
وتكون بمعنى المساواة، وفي كتاب عمر إلى أبي موسى: "آس بين الناس" أي ساو بينهم.

(١) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١٥٦

1 / 190