وأشار إلى المثل الثاني بقوله تعالى:
{أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق}:
والصيب: المطر، ويطلق على السحاب. والسماء: هذه المظلة المزينة بالكواكب، وكل ما علاك من سقف ونحوه. والرعد: الصوت الذي يسمع من السحاب. والبرق: الذي يلمع من السحاب. وفي الجملة إيجاز بحذف ما دل عليه المقام دلالة واضحة. والتقدير: أو كمثل ذوي صيب ... إلخ. والمعنى: أن قصة هؤلاء المنافقين مشبهة بقصة الذي استوقد نارا، أو قصة ذوي صيب.
{يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت}:
{الصواعق}: جمع صاعقة. والصاعقة: قصفة؛ أي: صوت هائل من رعد شديد، تنقض معه نار لا تمر بشيء إلا دمرته. و (من) في قوله تعالى: {من الصواعق} للتعليل. وإنما كانت الصواعق داعية إلى سدهم آذانهم بأصابعهم، من جهة أنها قد تفضي بصوتها الهائل إلى موت. وجاء هذا صريحا في قوله تعالى: {حذر الموت}. يقال: صعقته الصاعقة: إذا أهلكته بشدة صوتها، أو بالإحراق.
والمعنى: يسدون آذانهم من أجل الصواعق حذرا من أن تقتلهم بروعة صوتها. والمعروف أن الذي يجعل في الأذن عند الفزع من الصوت الرائع رؤوس الأصابع، وهي الأنامل، ولكنه قيل: {يجعلون أصابعهم} مسايرة للمألوف في اللغة من نسبة ما يكون لبعض الشيء إلى ذلك الشيء، حيث يكون المراد جليا واضحا، وهو معدود من سعة التصرف في اللغة.
مخ ۳۸