اعداد او د انسان جوړول: شمېرل او د انسان خوځنده دورانونه
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
ژانرونه
شعوب لا عددية معاصرة
في بعض الأحيان وأنا طفل صغير، كنت أستيقظ في الأدغال على الأصوات المتنافرة لأشخاص يروون أحلامهم لبعضهم البعض: أحاديث فردية يعقبها دفقات من تعليقات تتسم بالحماسة. والأشخاص المعنيون هم مجموعة تعرف باسم «بيراها»، وهي جماعة مذهلة (بالنسبة إلي على أي حال)، ويعرف عنهم أنهم يستيقظون ويتحدثون إلى أقرب جيرانهم في أي ساعة من ساعات الليل. وفي بعض الأحيان، تزعج هذه الممارسة بعض الأغراب الذي يحاولون جاهدين أن يناموا. بالرغم من ذلك، فبالنسبة إلى ولد صغير مثلما كنت، فإن هذه الأصوات التي يتردد صداها في كوخ أسرتي الكبير، خففت من مخاوفي الليلية المرتبطة بالأدغال، وهدأت من روعي حتى وإن لم أفهم إلا قليلا مما يقولون. فعلى أي حال، كانت هذه الأصوات تدل على أن أهل القرية كانوا مطمئنين وغير منشغلين بما كان يقلقني. لقد بدت أصواتهم في هذا الليل السحيق خالية من أسباب القلق التي كانت تبقيني مستيقظا في سكون في أرجوحتي الشبكية حين كانت تقلقني بعض ضوضاء الغابة غير المفهومة. وحين كنت أستيقظ على صوت رواة الأحلام، عادة ما كان النوم يتسلل إلي ثانية بعد وقت قصير.
كان طريق الوصول إلى قرية «بيراها» التي كانت تعيش فيها أسرتي عبارة عن رحلة متعرجة عبر روافد الأمازون، أو رحلة لمدة ساعة بطائرة سيسنا ذات المحرك الواحد، وكانت هذه الرحلة تنتهي بالطيار وهو يستقر بعجلات الطائرة على مدرج هبوط ضيق من العشب، كان قبل اقتراب الطائرة مختفيا في خضم ذلك البحر من الأشجار. وقد ظلت قرية بيراها منعزلة حتى اليوم، فلم تتغير ثقافتها بدرجة كبيرة منذ طفولتي، بل منذ بداية تواصلهم مع أهل البرازيل قبل ما يزيد على القرنين. إنهم ما زالوا يعيشون في تجمعات صغيرة حول النهر، في بيوت متواضعة للغاية كانوا يتخلون عنها في بعض الأحيان فينامون على ألواح من الخشب على شواطئ النهر البيضاء التي تظهر في موسم الجفاف. وهم ما زالوا يستيقظون في منتصف الليل، ويبدو أنهم يكونون في وسط محادثة إذ يتشاركون الخبرات من أحلامهم.
لقد قضيت أنا ووالداي وأختاي الأكبر مني سنا، شهورا عديدة من طفولتي مع هذه المجموعة الصغيرة التي تعيش على جمع والتقاط الثمار في قلب إقليم الأمازون. وهذه الجماعة مميزة لأسباب عديدة، وبخلاف مخاوف الليل العابرة، فإن ذكريات طفولتي عنهم لطيفة وتكاد أن تكون شاعرية. لقد أخذنا والداي لنقضي بعض الوقت معهم، وكان ذلك جزءا من عملهما في ذلك الوقت؛ إذ كانا مترجمين إنجيليين للإنجيل. بالرغم من ذلك، فلم يكن الإنجيل هو الشيء الخارجي الوحيد الذي أحضرته أسرتنا إلى ذلك المكان، بل أحضرنا بعض الأغراض الخارجية الأخرى التي قد يقول البعض عنها إنها تلقى اعتراضا أقل من أهل «بيراها» ويفضلونها بدرجة أكبر، ومنها الأدوية الغربية التي أنقذت حياة العديد من الأطفال. لقد كان إحضار أغراض أجنبية أقل نجاحا في العادة؛ فعلى سبيل المثال، كانت معظم منتجات الطعام الخارجية تثير حيرة أهل بيراها، مثلما كانت عادتهم في أكل بعضهم القمل من رءوس بعض تثير حيرتي أنا وأختي. لقد سألنا أحد رجال «بيراها» ذات مرة عن السبب في حاجتنا إلى أن نوزع مادة تشبه الدم، وهي التي نطلق عليها اسم «الكاتشب»، على طعامنا. وكذلك حين كنا نأكل السلاطة ذات مرة، أشار رجل آخر إلى بعض المشاهدين الآخرين من أهل بيراها بأننا نأكل أوراق النباتات بطريقة غريبة. ومن الفئات الأخرى للواردات التي لم تنجح مع أهل بيراها الرموز الغربية بجميع أنواعها، ومنها الحروف الأبجدية؛ فعلى العكس من معظم مجموعات السكان الأصليين، بدا أهل بيراها غير مهتمين بكتابة لغتهم. ومن بين الواردات المرفوضة أيضا الأعداد، والتي رفضتها الجماعة تماما.
1
في الكثير من هذه الليالي التي قضيناها في القرية، وقبل أن نذهب إلى النوم في الأرجوحات الشبكية، كان والداي يعطيان دروس الحساب لأهل بيراها، وقد زادوا من مستويات مشاركة أهل القرية في هذه الدروس من خلال تقديم أحد أنواع الواردات الجيدة المطلوبة في نظرهم: الفشار. وعلى الوهج الجاذب للحشرات، المنبعث من مصابيح الغاز الموزعة في كوخ أسرتنا، والذي يطل على عناصر الطبيعة الممتدة على طول نهر مايسي الأسود، حاولا تعليم هذه الجماعة الحساب بلغتهم الأصلية. وقد اتضح أن هذه المحاولات لم تنجح لمجموعة متنوعة من الأسباب؛ ولعل السبب الأبرز منها هو أن لغة البيراها تفتقر إلى وجود أي أعداد محددة؛ فحين تتبنى إحدى الثقافات نظاما عدديا لثقافة أخرى، فإن أفراد هذه الثقافة المتبناة يكونون على وعي بالمقصود بمفردات الأعداد على أقل تقدير، أما في حالة البيراها فقد كانت الأعداد غريبة تماما. ولا ينطبق ذلك على مفردات الأعداد البرتغالية التي كان والداي يحاولان تدريسها فحسب، بل على وجود مفردات دقيقة للأعداد، والأهم من ذلك أنه كان ينطبق على تمييز معظم الكميات المحددة التي تشير إليها.
حين كنت ولدا صغيرا كانت الصعوبة التي يواجهها البالغون من أهل بيراها حين يحاولون تعلم الأعداد، تحيرني كثيرا. وبدرجة كبيرة، كان ذلك الأمر محيرا لي؛ لأنه كان واضحا حتى لوعيي الصغير أن هؤلاء ليسوا أفرادا يعانون من صعوبة ما في التعلم؛ فما من خلل وراثي واضح بين هؤلاء الأفراد يفسر الصعوبة التي كانوا يواجهونها حين ذاك، وما زالوا يواجهونها، حين يتعلق الأمر بتعلم الأعداد. علاوة على ذلك، فإن أفراد البيراها الذين نشئوا في ثقافة خارجية لا يواجهون مثل هذه الصعوبة. وبالفعل، فقد كنت أتعجب من البراعة الإدراكية لهؤلاء الأفراد في العديد من الجوانب الأخرى. ولا شك بأن جزءا من هذا التعجب كان يعزى إلى حداثة سني، لكن التجربة التي حفزته لم تكن بالهينة؛ فقد كنت (مثل أختي) ألعب مع أطفال البيراها، وأتبعهم في الغابات، وقد كنت أضل طريقي بالفعل دونهم في بعض الأحيان. كنت أشاهدهم وهم يصطادون السمك أفضل مني، ويميزون موارد الفاكهة بطرق لم أستطع أن أفعلها. وبصفة عامة، فقد كنت أشعر أنهم لا يبارون في العديد من المهارات الذهنية التي كانت في غاية الأهمية في بيئتهم. بالرغم من ذلك، ففي درس الحساب العابر الذي يقام على ضوء المصابيح، كنت أنا الأفضل من بينهم، أفضل حتى من الكبار.
إن هؤلاء الأشخاص ليسوا هم الوحيدين الذين تقف بعض الحواجز اللغوية والثقافية بينهم وبين اكتسابهم لمبادئ الحساب. وبالفعل توجد جماعة على بعد مئات الكيلومترات باتجاه الشرق، قد واجهت صعوبات مماثلة؛ قبيلة موندوروكو، وقد كانت قبيلة كبيرة محاربة في السابق، تعيش في أعلى نهر تاباجوس، وهو رافد رئيس لنهر الأمازون. بدأت هذه القبيلة في العمل باستخراج المطاط خلال أواخر القرن التاسع عشر، والبعض لا يزالون يقومون بذلك حتى الآن. ومع العمل الجاد تمكنوا من استخراج كمية كبيرة من المطاط، لا سيما في أوج ازدهار المطاط الأمازوني في الجزء الأول من القرن الماضي. بالرغم من ذلك، فقد كانوا مثلما يشير المؤرخ جون هيمينج: «لا يتمتعون بمهارات التجارة إلى درجة محزنة، وقد كان من السهل خداعهم؛ إذ إنهم لم يكونوا يفهمون قواعد الحساب. لقد باع لهم تجار «ريجاتو» (قارب نهري) بعض البضائع بأربعة أضعاف الربح، وقد كان من هذه البضائع رم الكاشاسا وبعض الأدوية عديمة الفائدة، والتي تباع دون وصفة من الطبيب. لقد بخسوهم بالطبع ثمن المطاط.»
2
لقد رأينا في الفصلين الثالث والرابع أن اللغات تختلف اختلافا كبيرا في كيفية ترميزها للمفاهيم العددية؛ فبعض اللغات تستخدم أنظمة عددية تتيح لها توليد عدد لا نهائي من مصطلحات الكميات، غير أن العديد من اللغات تستخدم أنظمة أقل فاعلية. ولا شك بأن لغة الموندوروكو ولغة البيراها تصنفان في هذه الفئة الأخيرة، وربما تمثل لغة البيراها بالتحديد الحالة الأكثر تشددا؛ فهي لغة منطوقة لا تتضمن أي مصطلحات محددة للأعداد، ولا حتى للعدد «واحد»، وليس ذلك بزعم منقول بالرواية فحسب. إن أول من لفت اهتمام المجتمع البحثي إلى الطبيعة اللاعددية للغة، هو والدي دانييل إيفريت، الذي تخلى عن عمله التبشيري، وأصبح باحثا.
ناپیژندل شوی مخ