141

اعداد او د انسان جوړول: شمېرل او د انسان خوځنده دورانونه

الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية

ژانرونه

6

أعداد ذات دلالة اجتماعية

حين هبط موسى من جبل سيناء بألواحه الحجرية، كان منقوشا عليها عشر وصايا إلهية؛ هي الوصايا العشر. وحتى إذا لم تكن من أتباع إحدى الديانات التي تقر بهذه الوصايا، فأنت تدري بوجودها. وبالرغم من أنك قد لا تكون قادرا على ذكرها جميعا، فأنت تعرف أنها عشر وصايا. فلماذا هي عشرة؟ لا شك بأن هناك أكثر من عشر وصايا دينية كان من الممكن أن تلقى على البشرية، أو على مجموعة من رحالة الشرق الأوسط تحديدا، قبل ما يزيد على ألفي عام. ها هي وصية حادية عشرة كان يمكن أن يتبناها العديد من البشر دون جدال: «لا تعذب.» يمكننا أن نتخيل أنه إذا نزل موسى بمثل هذه الوصية، لم تكن لتحدث أي بلبلة. وعلاوة على ذلك، فإن كثيرا من البشر في الوقت الحالي كانوا سيؤيدون هذه الوصية المفقودة. غير أن القائمة كانت ستفقد بعضا من ثقلها البلاغي. «الوصايا الإحدى عشرة» وكأنها تشي بإله ساخر. لو كان موسى قد نزل بإحدى عشرة وصية، ربما لم يكن قومه ليعترضوا على هذه الوصية الحادية عشرة في حد ذاتها، لكن وجود إحدى عشرة وصية على وجه التحديد، كانت ستبدو للبعض أمرا غريبا. وربما كان تعلم الأطفال للوصايا الإحدى عشرة في السياقات الدينية، سيصبح أكثر التباسا، مما لو أنهم كانوا يتعلمون العدد المقدس عشرة. إن العدد عشرة هو أكثر الأعداد اكتمالا، ومن المنطقي جدا للعديد من الأشخاص أن ترد معظم القواعد التي تحكم حياتنا، في مجموعات من عشرة. ومن المثير للاهتمام أيضا أن العدد عشرة له دلالة روحية في العديد من التقاليد الدينية المختلفة: تجسدات فيشنو العشر، والجورو العشرة في السيخية، والصفات العشر في القبالة، وغيرها. وهذا التأثير المتكرر للعدد عشرة، ليس عرضيا على ما يبدو. وربما ليس علينا أن نندهش حين نجد أن للعدد عشرة دلالة روحية واجتماعية خاصة، نظرا إلى تأثيره واسع الانتشار في الأنظمة العددية. إن الدافع النهائي لهذه الدلالة قد أصبح واضحا الآن: ليس الأمر أن المفاهيم الإلهية ترد في مجموعات من عشرة، وإنما ينطبق ذلك على أصابعنا. (ومما لا شك فيه أن البعض يرون أن هذا الشكل الذي توجد عليه أصابعنا، هو إلهي في حد ذاته.)

7

إن الأعداد الأخرى التي تتميز بدلالة معينة في النصوص الدينية، غالبا ما تكون هي أيضا بسيطة وتامة، ويسهل قسمتها على عشرة. فعلى سبيل المثال، للعدد «أربعين» دور مهم للغاية في التقليد اليهودي المسيحي؛ فقد استمر طوفان نوح 40 يوما، وتجول يسوع في الصحراء 40 يوما، وقضى موسى 40 يوما على جبل سيناء، وصام إلياس 40 يوما ، ونزل يسوع بعد 40 يوما من صلبه، وغير ذلك.

8

وإضافة إلى الانحياز الواضح للأصابع في الأعداد المقدسة، التي يكون لها دلالة مميزة في بعض التقاليد الدينية، فإننا نشهد هنا ظاهرة أخرى ترتبط بهذا الأمر، وهي تداخل الأعداد مع الروحانية. ينطبق ذلك على الأعداد المقدسة في الديانات الرئيسة في العالم، وغيرها من التقاليد الروحية المنتشرة إلى جانب ما ذكرناه سابقا؛ فبعض التقاليد الصينية ترى أعدادا معينة على أنها ميمونة أو مشئومة، ويرى أنصار علم التنجيم أن أعدادا محددة تدل على سمات روحية أو شخصية محددة، أو كليهما.

إن هذه الأعراف تدور في حلقة منتظمة؛ فمثلما أشرنا سابقا، أدى ظهور نمط العيش الذي يعتمد على الزراعة والاستقرار إلى زيادة عدد السكان، الأمر الذي أدى بدوره إلى نشأة العديد من الأنظمة العقائدية الإيمانية والأخلاقية. ونظرا إلى أن أنظمة الأعداد قد أسهمت في تشكيل الممارسة الزراعية، فهي مسئولة جزئيا على أقل تقدير، عن نشأة الممارسات الدينية والروحية، التي أضفت بدورها دلالة روحية ودينية على أعداد محددة. ويعد هذا النمط من الاستجابة الثقافية، من السمات الأساسية للقصة العامة للتطور المشترك، التي يشير إليها هذا الكتاب في نقاط متعددة؛ فقد أثرت الأعداد وممارسة العد في التجربة البشرية تأثيرا جوهريا، وقد نتج عن هذا التأثير ضغوطات جديدة بشأن كيفية اعتماد البشر على الأعداد، وإلى أي درجة يعتمدون عليها. وقد تضمنت هذه الضغوطات إضفاء دلالة روحية على الأعداد.

قد يرى البعض أن إضفاء دلالات روحية واجتماعية على الأعداد، ما هو إلا أحد الآثار الطريفة لعصور ما قبل العلم. بالرغم من ذلك، يمكننا أن نجادل في أن الأعداد تكتسب الآن دلالة أكثر من أي وقت مضى؛ إذ أصبحت مرتبطة دون تفكير في بعض الحالات بالاكتشافات العلمية؛ ففي نهاية المطاف أدت الرياضيات دورا كبيرا في تشكيل التقدم العلمي الكبير الذي حدث على مدار القرون القليلة الماضية. ومعظم الأشخاص يدركون أن العلم الحديث يقوم على أساس النتائج التي تطرح عادة في صورة كمية. والمنهجية العلمية المرتبطة بمختلف أنواع الرياضيات، ترى على أنها نقطة الانطلاق لأي طريق مؤد إلى حقيقة أعلى. ومن ذلك الجانب، فإن أنصار العلم من الملحدين أو اللاأدريين، يمكنهم أن يضفوا على الأعداد أهمية روحانية؛ إذ يتعاملون معها على أنها حقائق خارجية عن العقل والجسد ترشدنا نحو اكتشافات لحقائق جديدة. بالرغم من أن الكميات التي تمثلها الأعداد يمكن أن توجد خارج عقولنا، فإن التمثيلات الرمزية لهذه الكميات هي اختراعنا الخاص؛ فهي ليست منفصلة تماما عن عقولنا. وتعتمد الممارسات العلمية على نوع من روحنة هذه الاختراعات التي تستند إلى طبيعتنا التشريحية؛ ففي العديد من المجتمعات الحديثة تعد الأعداد ضرورية للغاية في نظرية المعرفة؛ فهي تساعدنا على تحديد ما إذا كان أحد الأمور اعتقادا مبررا، أم لا. والوصف العددي للمعتقدات الجديدة يمدها بأنواع خاصة من المعنى. فعلى سبيل المثال، إذا أخبرنا علماء الكونيات أن الكون قديم للغاية، فإن هذا قد يعني شيئا لنا، لكن إذا أخبرونا أن عمر الكون يزيد على 13 مليار عام، فإن هذا قد يعني أكثر بكثير بالنسبة لنا، بصرف النظر عن قدرتنا على تصور مثل ذلك المقياس الزمني؛ ففور أن توصف الملاحظات بالأعداد، يزيد تقبلنا لها بصفتها حقائق فعلية.

إلا أن الأعداد لا تكتسب قيمة اجتماعية من ذلك الجانب العام المتعلق بنظرية المعرفة فحسب؛ فلا تزال بعض الأعداد تتحلى بدلالة اجتماعية شبه روحانية في بعض السياقات غير الدينية، وهي دلالة أكثر عشوائية مما يلاحظه الكثيرون. ولعل ذلك يتضح جليا فيما يعرف باسم القيم الدلالية. وهذه القيم مدهشة للغاية؛ لأنها توضح أن بعض الأعداد المحددة التي ترد في سياقات لا دينية ولا روحانية، تتخذ قيمة يصدق عليها المجتمع، مما يمنحها في معظم الأحوال مكانة مميزة في عقولنا. ونكرر أن هذه المكانة المميزة، تعود في نهاية المطاف إلى العلاقة بين الأعداد وطبيعتنا التشريحية.

ناپیژندل شوی مخ