140

اعداد او د انسان جوړول: شمېرل او د انسان خوځنده دورانونه

الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية

ژانرونه

شكل 10-1: الساحل الموجود بجوار كهف بلومبوس، جنوب أفريقيا. الصورة من التقاط المؤلف.

عندما وصلت إلى الساحل الذي يبدو أنه قد لعب دورا مهما في التاريخ البشري، وجدته مليئا بعدد لا حصر له من الصخور. (انظر الشكل

10-1 ) إن هذه الصخور لم تكن ساحلية طوال الوقت؛ إذ إن الساحل نفسه يتحرك بدرجة ما من أثر حلول العصور الجليدية وذهابها، غير أنها منذ 100000 عام، استقرت في مكانها الذي نراه الآن بالقرب من كهف بلومبوس. معظم هذه الصخور مكعب الشكل تقريبا، وكأنما هي من صنع البشر، لكن إن كان الأمر كذلك؛ فهذا يعني أن معماريا منتشيا قد رتبها بهذا الشكل المائل بجوار بعضها. وإذ أخطو فوقها، أتذكر سكان المنطقة الذين كانوا يتسلقون هذه الصخور وفيما حولها قبل كل هذه العشرات من آلاف الأعوام. هنا على هذا الشاطئ، أنقذ البشر أنفسهم من الموت إذ اكتشفوا تذوقهم للمأكولات البحرية، وبصورة أعم، فإن القرارات التي اتخذها البشر على هذه الصخور، وفي الكهوف القريبة، وغيرها من الأماكن الموجودة في هذه المنطقة، من المحتمل أنها قد تكون قد أنقذت نوعنا من الانقراض. ولا شك في أن هذه القرارات قد سهلت على ما يبدو استمرارنا في البقاء خلال الأوقات العسيرة؛ ومن ثم توسعنا خارج القارة بعد ذلك.

وفيما بين هذه الصخور، نجد بعض الأدلة الظرفية المتناثرة، التي تدل على الضغوطات التي كان أسلافنا قد واجهوها لتطوير الأعداد. وعلينا أن نقر بأنها أدلة ضعيفة، لكن إشارة غير مباشرة تقبع بين هذه الصخور قد ابتلعتها تلك الأمواج العنيدة مع مرور الزمن، وهي وجود نبات الخزامى المحزز والأصداف البيضاء موزعة بدرجة من الانتظام. ونحن نعرف الآن أن مثل هذه الأصداف والرخويات التي كانت تحتوي عليها، التي لا يزال الحصول عليها ممكنا بالقدر الذي كان عليه ذلك قبل كل هذه الآلاف من الأعوام، قد كانت ضرورية لبقاء البشر خلال أوقات القحط. وقد كانت أيضا خيطا مهما في نسيج الحضارة المادية المحلية. فمن المحتمل أن تكون القيمة الأصلية لمثل هذه الأصداف هي التي قد دفعت إحدى نساء البشر إلى عدها؛ فربما أدركت أنه يمكن وضع هذه الأصداف مصطفة بمحاذاة بعضها، مثلما ترى أصابع يديها مصطفة ومتناظرة، أو ربما أدركت مباشرة أنه يمكن مطابقة خمس أصداف مع أصابع اليد الواحدة، كل صدفة مقابل إصبع من الأصابع. وربما تمثل هذا الإدراك في الواقع لفظيا حين بدأت تتحدث عن «يد» من الأصداف. وربما أصبح التوصل إلى هذا الإدراك أسهل كثيرا بعد ذلك، عليها وعلى غيرها من أفراد الجماعة السكانية الذين تدربوا على مفهوم «يد» من الأصداف، أو «يد» من عناصر أخرى. ونحن لا نعلم بالطبع، لكن في هذه المرحلة، فإن الاحتمال الأرجح هو أن هذا المكان هو أول مكان قد بدأ فيه البشر في استخدام الأعداد.

إن ما نعرفه هو أن شخصا ما في مكان ما، في لحظة معينة من التاريخ، كان هو أول شخص يدرك بصورة مجردة وجود خمسة أشياء على وجه التحديد. بالرغم من ذلك، فإن هذا الإدراك الضروري لاختراع أنظمة الأعداد، قد حدث بلا شك، على مدار العديد من المرات بصور مستقلة، وفي العديد من السلالات الثقافية. وقد ضاع مع الزمن على الأرجح في معظم الحالات، غير أن هذا الإدراك المتقلب قد تجسد رمزيا في بعض الحالات الأخرى، وأصبح حقيقيا من خلال تجسده في كلمة. وقد انتقلت هذه الكلمة بعد ذلك إلى عقول أخرى قد اعتمدت على هذا المفهوم بطرق جديدة. وبالرغم من أن أول مخترعي مفردات الأعداد مثل «خمسة» لم يدركوا هذه الحقيقة، فإن أدواتهم الإدراكية حديثة التشكل كانت ستغير مسيرة الثقافات البشرية في يوم ما.

الأعداد والألوهية

إن انشغالنا الدائم بأعداد أيامنا وسنواتنا، الذي يتضح في المجتمعات الكبيرة من مجتمع المايا القديم إلى المجتمع الأمريكي الحديث، ينبع جزئيا من الممارسات الزراعية، التي يعود السبب في وجودها إلى ابتكار الأنظمة العددية. إن التحول إلى نمط إعاشة يعتمد على الزراعة، كان أيضا هو البداية لأنواع أخرى من التغيرات الأكثر حميمية في الخبرة البشرية: إنها تغيرات لا تخبرنا بكيفية عد أعمارنا فحسب، بل تخبرنا أيضا بمكاننا في الكون. وأنا لا أشير هنا إلى حقيقة أن الأعداد والزراعة قد نتج عنهما حاجة أكبر إلى الاعتماد على تتبع النجوم وفصول السنة وغير ذلك، مما أدى في نهاية المطاف إلى تشكل وعي بالفضاء، وتقدير الكون الذي نعيش فيه، والذي لا يتمركز حول البشر. وبالرغم من أن الجزء الأخير حقيقي بلا شك، فأنا أشير هنا إلى النوع الجديد من الدوائر الدينية، الذي ظهر بعد وجود أنظمة عددية معقدة.

ربما يبدو من المبالغة بعض الشيء أن نعزو أي دلالة روحية إلى ظهور الأعداد. من المؤكد أن جميع الشعوب تؤمن بشكل ما من أشكال المعتقدات الدينية والروحانية، بصرف النظر عن نوع الأنظمة العددية التي تستخدمها؛ غير أن المغزى الذي نقصده هنا أكثر دقة، وله الكثير مما يؤيده من الأدلة في السجل الأثري والأنثروبولوجي: بالرغم من أن أساطير الخلق، والممارسات الروحية، وغيرها من أشكال الروحانية هي أمور عالمية أو تكاد تكون كذلك، فالديانات الهرمية واسعة النطاق، تقتصر على عدد قليل نسبيا من السلالات الثقافية. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الديانات بما فيها الديانات التوحيدية، كالإسلام والمسيحية واليهودية، وغيرها العديد أيضا من الديانات الرئيسة في العالم مثل الهندوسية والشنتوية والبوذية، قد ظهرت بعد ظهور الزراعة بفترة طويلة. والأهم من ذلك أنها لم تظهر إلا بعد أن بدأ البشر يعيشون في مجموعات ومستوطنات أكبر، بسبب نمط حياتهم الزراعي. فعلى مدار الجزء الأكبر من مدة وجودنا التي تزيد على 100000 عام، عاش نوعنا في مجموعات صغيرة أو قبائل في أماكن مثل كهف بلومبوس. ومنذ 10000 عام تقريبا، لا سيما في الألفيات القليلة الماضية، بدأنا في الاحتشاد وتكوين زعامات أو إمبراطوريات أكبر، مع تأسيس مناطق حضرية في مراكزها في أغلب الأحيان. ومؤخرا قد اقترحت مجموعة من الباحثين أن تطور الديانات الرئيسة الهرمية، كتطور الحكومات الهرمية، قد نبع من تكتل البشر في مثل هذه الأماكن. وإذا افترضنا إلى الآن أن هذه الفرضية الوجيهة صحيحة، فإن هذا سيشير إلى أن اختراع الأنظمة العددية المعقدة، قد أدى في نهاية المطاف من خلال تيسير الزراعة، إلى تكوين وجهات نظر جديدة بشأن دور البشر في العالم، وظهور آراء جديدة بشأن نشأة الأرض وما عليها. ويمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول إن ظهور الأنظمة العددية كان أمرا محوريا في اختراع إله أو آلهة. أو مثلما يرى البعض، فإن تطور الأعداد قد أدى إلى توصل البشر إلى الإدراك الدقيق بوجود إله أو آلهة.

إن هذا الافتراض يقوم على الزعم القائل بأن المجتمعات السكانية الأكبر كانت تنتج تقاليد جديدة؛ لأسباب معينة، وعادة ما تكون هذه التقاليد إيمانية دينية. ما السبب إذن في أن الجماعات السكانية الأكبر قد اتجهت إلى الإيمان بوجود إله؟ في خطوط عريضة، تقترح الفرضية المعنية أن الأسباب قد جرت على المنوال التالي: المعتقدات الدينية المنظمة التي تتضمن آلهة وفئات رجال دين تلزم باتباع الأخلاق، نتجت عن حاجة المجموعات الكبيرة من البشر إلى التعاون من خلال الأخلاق المشتركة والإيثار. وبعد أن زاد عدد المنتمين للحضارات بعد ظهور المراكز الزراعية وما يرتبط بها من تحضر، كان على الأفراد أن يعتمدوا على الثقة المشتركة في عدد كبير من البشر الآخرين، ومنهم الكثيرون الذين لا يمتون لهم بصلة قرابة، على عكس ما كان عليه الحال في المجموعات الصغيرة كالقبائل والعشائر. وقد كانت هذه الثقة المشتركة داخل الحضارات أمرا ضروريا إذا أرادت هذه المجموعات أن تتفوق على مجموعات الأفراد التي تقاربها في الحجم. وعلى العكس من ذلك، فإن مجموعات القبائل والعشائر كانت (ولا تزال) صغيرة، وفي معظم الأحوال في العشائر التي تعتمد على الصيد وجمع الثمار، توجد صلة قرابة بين معظم أفرادها وبين جميع الأفراد الآخرين الذين ينتمون إلى نفس الثقافة، أو معظمهم. إذن، فالدوافع الطبيعية للثقة والتعاون بين الأفراد، أكثر وضوحا في حالة الجماعات السكانية الصغيرة؛ فنظرا إلى أن الانتقاء الطبيعي يقوم على أساس حماية الفرد لجيناته، فمن الأسهل أن نفهم دوافع الإيثار والتضحية داخل المجموعة، في المجموعات الصغيرة كالعشائر والقبائل. لكن ما الذي قد يدفع البشر الذين يعيشون في المجموعات السكانية الأكبر كثيرا، والذين لا تربطهم بمعظم الأفراد الذين يتواصلون معهم يوميا صلة وراثية يمكن تمييزها، إلى التعاون مع هؤلاء الأفراد الآخرين الذين ينتمون إلى ثقافتهم؟ لماذا قد يهتمون بما فيه خير لأفراد غرباء عنهم تماما، من خلال أداء أفعال تعاونية باستمرار؟ وفقا للفرضية التي نتحدث عنها، والتي يؤيدها عدد من الباحثين مثل عالمي النفس أرا نورنزيان وعظيم شريف، فإنه كان لا بد من تطور آلية اجتماعية حتى لا تتفكك الثقافات الكبيرة بسبب المنافسة بين أفرادها، وحتى لا يستنزف العديد من الأفراد ثمرة عمل الآخرين. ومن الآليات الاجتماعية التي تعزز السلوك التعاوني الإيجابي نحو المجتمع، الدين المنظم الذي يستند إلى أخلاق مشتركة وآلهة كلية العلم تستطيع معرفة ما يقترف من مخالفة لمثل هذه الأخلاق. وربما كان التطور التدريجي لمثل هذه الديانات المرتكزة على وجود إله قد أدى تلقائيا إلى حفظ النظام والسلوكيات التعاونية التي كانت مفيدة في نجاح الحضارات وبقائها من خلال الاهتمام الاجتماعي بالآخرين. وبعبارة أخرى، يمكننا أن نقول إن الجماعات السكانية الكبيرة التي تبنت ديانات أخلاقية تتمركز حول إله أو آلهة، كان احتمال بقائها سيقل عند المواجهة مع مجموعات أخرى كبيرة لا تتسم بالتعاون مع الغرباء (وتتسم بدرجة من التعطش للدماء تجاه الغرباء) لكنها تتسم بالتعاون فيما بين أفرادها بسبب وجود دين يفرض عليهم التعاون مع غير أقربائهم من أفراد الجماعة السكانية.

يستند بعض الدعم الذي تلقته هذه الرؤية إلى دراسة مسحية حديثة للعديد من ثقافات العالم. ووفقا لهذه الدراسة التي أجريت على 186 من المجتمعات المعاصرة، فثمة ارتباط قوي بين حجم السكان في ثقافة معينة، واحتمالية أن تكون هذه الثقافة تتبع ديانة تتمركز حول إله (أو آلهة) يعنى بأخلاق الأفراد. وهذه العلاقة الطردية ليست حاسمة بالطبع، لكنها تشير إلى أن هذا التفسير يسير في الاتجاه الصحيح. أما الأمر الواضح فهو أن ظهور الديانات الهرمية الكبيرة التي تتمركز حول إله (أو آلهة) هو توجه حديث بدرجة كبيرة. إضافة إلى ذلك، فقد ظهر هذا التوجه بعد الثورة الزراعية المتأثرة بالأعداد، التي أتاحت زيادة عدد السكان في المناطق التي تطورت بها الأديان المعنية بعد ذلك. وهذه الديانات «الجديدة» قد غيرت بدورها رؤية الكثيرين من البشر بشأن موقعهم في الكون، وغيرت رؤيتهم بشأن العالم، وأشبعتهم بحس مميز بوجود الغاية. وبسبب هذا المنحى الذي اتخذته الأحداث، أصبح الكثيرون من البشر يرون أنفسهم على أنهم مخلوقات الإله (أو الآلهة) المميزة. ومن ثم، فإن تطور الأنظمة العددية المعقدة، قد أدى دورا في تغيير فهم البشر لأرواحهم، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة على أقل تقدير.

ناپیژندل شوی مخ