اعداد او د انسان جوړول: شمېرل او د انسان خوځنده دورانونه
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
ژانرونه
في أعماق الأدغال الكمبودية، ثمة مجموعة من الوجوه الضخمة المتخفية، المصنوعة من الحجر الرملي، تبرز محدقة في القادم إليها من وسط بناء شاسع مترامي الأطراف، وذلك هو معبد بايون. ويقع هذا المعبد في عاصمة مملكة خمير القديمة، التي تعرف باسم أنجكور ثوم. وتلك الوجوه التي يصل ارتفاعها إلى عشرات الأمتار التي تقع في أنحاء المعبد، تمثل خليطا من وجهي بوداسف أفالوكيتاسفارا، الذي يقال إنه يجسد الشفقة لجميع البوذيين، وجيافارمان السابع، ملك خمير (انظر الشكل
9-1 ). وقد بني هذا المعبد تلبية لأمر الملك جيافارمان السابع، والذي يقال عنه: إنه كان شخصا صالحا قد حكم هذه الأدغال قبل ما يقرب من 900 عام. إن التاريخ يذكر جيافارمان بالخير، ويعود السبب في ذلك جزئيا إلى أنه قد أسس ما يزيد على 100 مستشفى لعلاج مواطني إمبراطوريته. وعلى بعد عدة كيلومترات من أنجكور ثوم، يوجد أنجكور وات أكبر مبنى ديني في العالم، وقد بني خلال فترة حكم والد جيافارمان السابع. ومثل الأهرامات العظيمة في الجيزة، أو أهرامات أمريكا الوسطى، فإن معابد إمبراطورية خمير تحتل مكانة مميزة في خيالنا الجمعي. ففي أنجكور، وبعيدا عن الحضارة الغربية من ناحيتي المكان والزمان، أسس مواطنو هذه الإمبراطورية بعضا من أكثر المباني المذهلة في العالم. وقد ابتكروا أيضا شبكات للمستشفيات والطرق وأنظمة للري منقطعة النظير. وقد فعلوا كل ذلك بدقة مذهلة، حتى إن التناظر والمهارة الفنية التي تظهر في أطلال أنجكور، تملؤنا بالرهبة.
شكل 9-1: أحد الأوجه الموجودة في معبد بايون، كمبوديا. الصورة من التقاط المؤلف.
وسط جميع مباني خمير العظيمة المحيطة بنا، قد نغفل بسهولة عن بعض التقنيات الأساسية التي كانت هي صميم هذا الإنجاز البشري الرائع. وهذه التقنيات لا تتجلى للمرء فور أن يسير حول واجهات معبد بايون الحجرية وفي ساحاته، لكن هذه الواجهات والساحات شاهدة على تلك التقنيات المعنية. ولعلك تستطيع أن تخمن التقنيات التي أشير إليها: الأعداد المنطوقة والأرقام المكتوبة. إضافة إلى ذلك، فأنا أشير تحديدا إلى رقم مهم ومبتكر، ويبدو أنه قد سهل تأسيس إمبراطورية خمير، بعد أن وصل من شبه القارة الهندية قبل قرون من ظهور وجوه بايون في الحياة. هذا الرقم الذي أتحدث عنه هو «الصفر». ولا يزال هذا الرمز الدائري الذي يرمز إلى اللاشيء يظهر في الثقافة الكمبودية المعاصرة؛ إذ نجده على العملة الكمبودية على سبيل المثال. وبالرغم من الإغراء الذي يتمثل في أن نرى في كمبوديا المعاصرة هذا الرمز الدائري الذي يعبر عن الصفر فنفترض أنه مأخوذ من الصفر الغربي 0، فإن الطريق العكسي للتأثير هو الصحيح. والواقع أنه في العام 2015، أعيد اكتشاف أقدم نقش واضح للصفر الدائري على مستوى العالم، في كمبوديا. وهذا الصفر المعني هو نقطة كبيرة للغاية، ووظيفته حفظ الخانة المكانية في العدد الخميري القديم الذي يعبر عن الكمية 605. لقد نقش هذا الصفر على لوح حجري يعود تاريخه إلى العام 683 ميلاديا، وقد وجد على بعد كيلومترات فحسب من وجوه بايون وغيرها من أطلال أنجكور وات وأنجكور ثوم. ومثلما أوضحنا في الفصل الثاني، فإن حضارة المايا قد طورت هي أيضا صيغة كتابية للصفر، ورمزت حضارة الإنكا إلى المفهوم في نظام الكويبو الذي كانت تستخدمه، وتوجد أيضا بعض الأدلة على وجود المفهوم في النقوش البابلية. بالرغم من ذلك، فهذا الصفر الذي نعرفه جميعا ونحبه، هذا الرمز الدائري الذي يعبر عن اللاشيء لتيسير الكثير جدا من العمليات الحسابية، لم يستخدمه اليونانيون ولا الرومان ولا معظم الحضارات القديمة الأخرى. وهو لم يستخدم بالفعل على الإطلاق في أي من حضارات العالم القديم، إلا بعد أن تطور في الهند على ما يبدو في القرن الخامس تقريبا. ومن هناك اتخذ طريقه إلى الشرق بسرعة إلى حد ما، فوصل إلى كمبوديا (والصين بعد ذلك) وساعد في تأسيس الرياضيات في إمبراطورية خمير التي كانت شديدة التأثر بالثقافة الهندية، ومنها الهندوسية في ذلك الوقت، كما أنه ساعد أيضا في تأسيس الرياضيات في ثقافات أخرى بطرق جديدة.
11
أما رحلة الصفر إلى الغرب، فقد كانت أكثر بطئا، فرمز الصفر الذي نستخدمه لحفظ الخانة المكانية (أي كعلامة ملائمة تدل على اللاشيء في العمليات الحسابية) لم يوجد في أوروبا إلا في القرن الثالث عشر. ففي القرن التاسع دعا عالم رياضيات فارسي يدعى الخوارزمي (الذي اشتقت كلمة «خوارزمية» من اسمه) في أعماله المؤثرة إلى استخدام نظام الأرقام الهندية، بما في ذلك الصفر. وبعد ذلك بقرون عدة، ترجمت هذه الأعمال إلى اللغات الأوروبية. وفي عام 1202، قام عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو بيسانو الذي يشتهر باسم ليوناردو فيبوناتشي، بكتابة كتابه الشهير «كتاب الحساب». وقد ذكرت هذه المخطوطة أيضا المزايا العظيمة لاستخدام الصفر (ونظام الأرقام الهندية بوجه عام) وأشار إلى أنه يسهل مختلف العمليات الرياضية. وبالرغم من تردد العديد من الأوروبيين في تقبل هذا النظام الشرقي؛ ففي نهاية المطاف اتخذ الصفر والأرقام المستندة إلى النظام العشري طريقها إلى الثقافة الغربية، وأصبحت هي الرموز السائدة في ممارسة الرياضيات. ومن المنطقي جدا أن يكون استخدام الصفر قد أسهم فيما حدث بعد ذلك من تطور العلم والتقنية في أوروبا. ويمكننا بالطبع أن نقول إن هذه الأداة الإدراكية البسيطة، التي هي مجرد رقم مبتكر، كان لها العديد من النتائج المؤثرة على حياة سكان خمير والصينيين والأوروبيين ومعظم البشر في الوقت الحالي. ففي النهاية نجد أن تسهيل حل المسائل الحسابية يعني تسهيل العمارة، وتسهيل العلوم. وبصفة عامة، يمكننا أن نقول إنها هبة واضحة للتطور التقني . وبالرغم من أن الأرقام العشرية التي تتضمن الصفر، التي استخدمتها أوروبا ربما لا تكون أكثر «تطورا» من جانب ثقافي محايد، فيبدو أنها قد سرعت إيجاد الحلول لأنواع محددة من المهام الرياضية التي اضطلعت بها الثقافات الأوروبية في الجزء الأخير من العصور الوسطى، وخلال عصر النهضة. لقد طور الأوروبيون بمن فيهم الرومان واليونانيون القدماء نظاما رياضيا دقيقا بدون وجود الصفر، ولا يبدو الرمز مكونا ضروريا لوجود الحضارات الكبيرة. بالرغم من ذلك، فمن الصعب أن نتخيل حدوث الثورة الصناعية أو التقنية بدون استخدام هذا الرقم.
إن التحسينات التي تجرى على اللغة العددية، ومنها التحسينات الكتابية كالصفر، تسمح بحدوث التغيرات الثقافية الخارجة على اللغة، أو تعجل بها على أقل تقدير. وانظر كيف حسن اختراع الصفر الرياضيات الغربية؛ فبدونه ما كان تمثيل الأعداد السالبة بالرموز، والنظام الإحداثي الديكارتي، والتمثيل البياني للدوال، والحدود في حساب التفاضل وغيرها أمرا يسيرا. وفي المقابل، فإن هذه الأدوات الرمزية كانت بمثابة منصات لغيرها من الاستراتيجيات الرياضية، والأرجح أن حدوث ثورة رياضية متواضعة في أوروبا بعد معرفتها برقم الصفر، ليس مصادفة على الإطلاق. ومن غير المرجح أن تكون مصادفة أن تسبق المعرفة بالصفر والكتابة الرياضية التي تستند إلى الأساس العشري، الابتكارات التقنية المبكرة في إمبراطورية خمير. ومن ثم، فإن وجوه بايون هي تمثيل مصغر للظاهرة الأكبر التي نشير إليها، وهي أن الثقافة، لا سيما الثقافة المادية المعقدة، تتأثر على نطاق واسع بالأدوات العددية المبتكرة، والتي تكون هي بدورها، منتجا لتقاليد ثقافية محددة.
12
الأعداد في صميم الابتكار الرمزي: عودة إلى الكتابة
لم تتطور الكتابة بصورة مستقلة، إلا على مدار مرات قليلة في التاريخ البشري، في بلاد الرافدين، وفي أمريكا الوسطى، وفي الصين، وفي مصر (وهو أمر خاضع للجدل).
ناپیژندل شوی مخ