اعداد او د انسان جوړول: شمېرل او د انسان خوځنده دورانونه
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
ژانرونه
إن انتشار الأدوات العددية لم يكن سمة مميزة للماضي فحسب، أي خلال الثورة الزراعية في الهلال الخصيب على سبيل المثال. فالواقع أن انتشار أنظمة الأعداد لا يزال يغير أنماط العيش، والأرجح أنه يحدث اليوم بالغزارة نفسها التي كان يحدث بها في أي فترة من التاريخ؛ فثمة أنواع مختلفة من الضغوطات الاجتماعية الثقافية التي تواجه الأفراد في عصرنا، وتدفعهم إلى استخدام أنظمة عددية وتعديلها. فلنتأمل مثالا هذه الحالة، وهو صديق لي ينتمي إلى إحدى الجماعات الأصلية، هي الكاريتيانا. ومن أجل الحفاظ على سرية هوية صديقي هذا؛ سوف أشير إليه باسم باولو. إن جماعة الكاريتيانا تتكون من 350 فردا من السكان الأصليين، يعيشون في جنوب غرب الأمازون. ويعيش معظمهم في محمية تبعد حوالي 90 كيلومترا عن المدينة البرازيلية النامية، بورتو فاليو، غير أن نسبة متزايدة من أفراد الكاريتيانا يعيشون في بورتو فاليو نفسها. قضى باولو الجزء الأكبر من طفولته في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته في أكبر قرية في المحمية التي تعيش فيها الجماعة. فيمكننا القول إنه قد نشأ في جزيرة بالأدغال تحيط بها الطرق والمزارع البرازيلية. خلال ذلك الوقت، تعلم أعداد الكاريتيانا (راجع الفصل الثالث) لكنه تعرض أيضا للأعداد البرتغالية والأرقام البرتغالية. وينطبق الأمر نفسه على بقية أفراد جيله من الكاريتيانا. فبينما كان العديد من أفراد الكاريتيانا يسعون وراء رزقهم في مدينة بورتو فاليو المجاورة، جاهد العديد منهم للحفاظ على طريقتهم التقليدية في العيش في محميتهم. وقد كان ذلك متاحا في ذلك الوقت؛ إذ كان لا يزال من الممكن ممارسة طرقهم التقليدية في العيش من الصيد وجمع الثمار والبستنة. أما حديثا فقد صار الحفاظ على طريقتهم التقليدية في العيش أمرا يصعب التمسك به؛ إذ بني بالقرب منهم سد كهرومائي مما أثر على مصائد الأسماك المحلية. وفي الوقت نفسه صارت أراضي الكاريتيانا تواجه تعديا أكثر مباشرة على يد عدد متزايد من السكان البرازيليين المحليين، وقد نتج عن هذا التعدي وجود كميات أقل من الصيد والأسماك في محمية الكاريتيانا. وباختصار، فبالرغم من جمال جزيرتهم الموجودة في الأدغال وفائدتها، شعر العديد من أفراد الكاريتيانا بأنه لا خيار أمامهم سوى أن يحاولوا الحصول على عمل في الاقتصاد البرازيلي المحلي إن هم أرادوا البقاء والنجاة. وينطبق هذ الأمر تماما على باولو، فقد التحق بالمدارس البرازيلية لبعض الوقت، وحصل قدرا من التعليم العالي، وهو يعمل الآن في منظمة حكومية. ولكي يتمكن من القيام بكل هذا؛ كان على باولو بالطبع أن يتعلم قواعد اللغة البرتغالية وكتابتها، وكان عليه أيضا أن يتعلم الأعداد والحساب. وباختصار فقد واجه ضغوطات اجتماعية واقتصادية عظيمة، دفعته لتعلم أعداد ثقافة أخرى.
لنعد مرة أخرى إلى موضوعنا؛ إن باولو ليس سوى فرد واحد من مئات ملايين الأفراد الذين يتحدثون لغات قد أصبحت اليوم معرضة للاندثار، ويواجهون ضغوطات مماثلة لتعلم أعداد لغات أخرى. ووفقا لبعض التقديرات، فإن 90 بالمائة من 7000 لغة توجد اليوم معرض للاندثار بدرجة أو بأخرى. والسبب الأساسي في تعرضها للانقراض، هو أن أفرادا مثل باولو يجبرون على الانضمام لدول أكبر، ويتعلمون لغات أصلح للاقتصاد. وهذه اللغات التي تكون ذات أصول أوروبية في العادة، تستخدم أنظمة عددية ورياضية معقدة، وتحديدا عند مقارنتها بلغات المجتمعات الصغيرة التي تعتمد على الصيد وجمع الثمار والبستنة. فالناس في نيو غينيا وأستراليا والأمازون وغيرها من المناطق يضطرون إلى تعلم الرياضيات. ولكي يتمكن السكان الأصليون من النجاة أو الكفاح أو كليهما، يجبرون باستمرار على التواصل بشكل أكبر مع شعوب الدول المهيمنة. وهذا التفاعل الطويل مع ثقافات شعوب هذه الدول، عادة ما يستلزم تعلم أنظمة عددية معقدة. إن هذه النقطة توضح لنا نمط ما كان يحدث من قبل على مستوى كل منطقة بعينها، على مدار آلاف الأعوام تشكل الثقافات ضغوطات قوية على بعضها البعض لتبني الأعداد وغيرها من التقنيات العددية. ومثلما أن الأعداد قد أتاحت حدوث بعض التغيرات الثقافية، مثل الاعتماد على الزراعة بدرجة أكبر، فإن التغيرات الثقافية أيضا تمكن من تعلم أعداد جديدة. إن الثقافة السلوكية وأنظمة الأعداد، كل منهما يعمل جنبا إلى جنب، وتجمع بينهما حلقة استجابة؛ فالتغيرات في الممارسات الثقافية غالبا ما تستلزم اكتساب أدوات عددية جديدة، مما يسهل بدوره اكتساب هذه الممارسات الثقافية، التي قد تتطلب بدورها وجود أدوات عددية أكثر تعقيدا، وهكذا.
المزايا المهملة لبعض أنظمة الأعداد
عند الحديث عن المزايا المحتملة التي أصبحت ممكنة بسبب وجود أنظمة عددية معقدة (مثل الزراعة) يجب أن أوضح أنني لا أساوي بين استخدام مثل هذه الأنظمة وبين «تطور» الثقافة أو اللغة. فقد دأب العديد من علماء اللغة والعلماء في مجال علم الإنسان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على تلك العادة المؤسفة، وهي مساواة سمات اللغات والثقافات الأوروبية بما يفترض أنه المرحلة اللاحقة في تطور المجتمعات البشرية. ويمكن قول الشيء نفسه عن المستعمرين الأوروبيين، الذين كانوا يعتبرون أن الثقافة الغربية هي أوج التكيف الاجتماعي البشري. ولم تعد مثل هذه الآراء تحظى بالتقدير، وإن كان ذلك جزئيا على الأقل؛ إذ إن الأعمال البحثية الميدانية الموسعة قد أثبتت أنها محض هراء؛ فعلى سبيل المثال، كان بعض المستوطنين يرون من قبل أن لغات السكان الأصليين الأمريكيين بدائية، وتفتقر إلى التهذيب النحوي الذي تحظى به اللغات الأوروبية الحديثة أو الكلاسيكية. وبالرغم من أن البعض من غير المختصين في علم اللغويات ربما لا يزالون يعتقدون بصحة مثل هذه الآراء القديمة، فإن العالمين في اللغويات ومجال علم الإنسان: فرانز بواس، وإدوارد سابير، قد أطاحا بمثل هذه الآراء في الدوائر الأكاديمية، وذلك منذ فترة طويلة في أوائل القرن الثامن عشر. فقد وضحا كيف أن هذه اللغات التي يزعم بأنها لغات أصلية بدائية، تمتلئ بجميع أشكال التعقيدات النحوية التي لا نجدها في اللغات الهندية الأوروبية. وذلك لا يعني أيضا أن اللغات الأصلية أكثر تعقيدا؛ فمنذ فترة من الوقت والإجماع في مجال اللغويات على أنه لا توجد طريقة موضوعية لترتيب اللغات من حيث تعقيدها الجوهري. إضافة إلى ذلك، فبما أننا نتفق بصفة عامة على أن جميع اللغات تعود إلى أصل أفريقي؛ فما من أساس نستنتج منه أن بعض اللغات أكثر تطورا من غيرها.
وبناء على هذا، فمن المهم ألا نقع في الفخ نفسه مجددا. من الواضح أن اللغات تختلف في درجة تعقيدها العددي؛ إذ إن بعضها يمتلك مخزونا من الأعداد أكبر كثيرا مما تمتلكه غيرها. غير أن ذلك لا يعني أن هذه اللغات المعنية هي أكثر تعقيدا بشكل عام، أو أن المتحدثين بها هم أكثر تقدما من الناحية الاجتماعية الثقافية، وإنما يعني أن متحدثي هذه اللغات يمتلكون أدوات يمكنهم استخدامها لتسهيل أنواع محددة من السلوك. وكل ذلك لا جدال فيه، لكن هذا لا يعني أنه يمكن وضع جميع الثقافات على طريق بسيط يؤدي إلى الحداثة، ولا يعني أنه يجب على جميع الناس أن يهتموا بمثل هذا الطريق. إن حالة الكاريتيانا توضح كيف أن استخدام الأنظمة العددية ليس أمرا اختياريا بالنسبة إلى العديد من الأشخاص. والأمر المثير للاهتمام أنه حتى مع هذه الضغوطات لاستخدام الأنظمة العددية، فإن بعض المجموعات تظل غير راغبة في استخدام مجموعة كبيرة من الأعداد. وتلك هي الحالة التي تنطبق على أفراد البيراها، الذين نجد أنهم عادة ما يناهضون معظم مظاهر الثقافة البرازيلية. فهل يجعل هذا من ثقافة البيراها أقل تقدما؟ إذا كان المرء يتبنى منظور المركزية الأوروبية، فسوف تكون الإجابة أجل بالتأكيد. بالرغم من ذلك، فإن أفراد البيراها يبدون راضين بشكل عام عن الخيارات التي اتخذوها للحفاظ على ثقافتهم، كما أن تمركزهم الإثني يكذب الاستنتاج الساذج بأنهم هم أنفسهم يشعرون بدونيتهم أو بدائيتهم عند مقارنتهم مع غرباء. إن سلالتهم الثقافية الفخورة، طالما تكيفت جيدا مع البيئة التي تعيش فيها؛ إذ نجحوا في الحياة في الأمازون منذ آلاف الأعوام.
6
إن منظور المركزية الأوروبية التقليدي تجاه التعقيد اللغوي، والذي يفترض تلقائيا أن لغات الجماعات الأصلية بدائية، لم يتسبب في التبسيط المبالغ فيه للقواعد اللغوية للغات الأخرى فحسب، بل تسبب أيضا في التمويه على التعقيد العددي في بعض اللغات. فعلى سبيل المثال، كان ثمة افتراض شائع بأن الأنظمة العددية تصبح أقل تعقيدا إذا لم تكن تتبع الأساس العشري، أو إذا كانت الثقافات التي تستخدمها لا تمتلك أنظمة كتابة. أما الآن، فقد بدأ الباحثون يدركون أن بعض الأنظمة العددية للجماعات الأصلية تقدم مزايا محددة لبعض المهام الرياضية، وهي مزايا لا توفرها أنواع الأعداد الأوروبية. إن التقدير الذي أصبحت تحظى به الأنظمة العددية غير المعروفة، قد جاء نتيجة العمل الذي قدمه اثنان من علماء الإدراك؛ هما أندريا بندر وسيجهارد بيلر، اللذان نشرا في العقد الماضي دراسات مذهلة عما سبق ذكره من المزايا الإدراكية لبعض الأنظمة العددية الأصلية في بعض جزر المحيط الهادي. وتوضح الدراسات التي قاما بها أن ما تتسم به بعض الأنظمة العددية للغات الأصلية من تعقيد وسمات جمالية يتم إهماله في بعض الأحيان.
7
في الفصل الثالث، ذكرنا أنه بالرغم من أن معظم أنظمة الأعداد المنطوقة تقوم على أساس الجسم البشري، فإنه توجد بعض الاستثناءات؛ فبعض أنظمة الأعداد السداسية في نيو غينيا على سبيل المثال، يبدو أنها قد ظهرت من الأنماط الشائعة في الترتيبات المستخدمة لتخزين الخيوط. وغالبا ما ينظر الغرباء على هذه الثقافة إلى هذه الأعداد على أنها أعداد بسيطة؛ لأنها تقدم أكثر فائدة لها في سياقات معينة، ولا يمكن تطبيقها بسهولة على جميع الأشياء التي يمكن جمعها. ففي بعض اللغات، يمكن أن تقتصر مفردات الأعداد أو ما يشبهها على سياقات محددة فقط؛ فعلى سبيل المثال، نجد أن اللغة البالية وغيرها من اللغات التي يوجد بعضها في جنوب أستراليا، تستخدم أسماء ترتيب الميلاد. وهذه ليست أعدادا، بل أسماء للأفراد بناء على ترتيب ميلادهم بين إخوتهم. فحين نجد شخصا يدعى «كيتوت» باللغة البالية، على سبيل المثال، نعرف أنه رابع طفل ولد في أسرته. وفي لغة الكورنا الأسترالية، نجد أنه يمكن تمييز ترتيب الأطفال وفقا لميلادهم من الأول إلى الثامن، من خلال نهايات الأسماء.
8
ناپیژندل شوی مخ