اعداد او د انسان جوړول: شمېرل او د انسان خوځنده دورانونه
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
ژانرونه
6
إنني أعتقد بوجود سببين على الأقل لذلك؛ أولهما أن الأصابع مميزة لأنها أول الوحدات المنفصلة التي نصادفها في حياتنا بشكل فعلي، فمثلما ذكرنا في الفصل السادس، نحن نتعرف على أصابعنا، ونحن ما نزال في الرحم، والأطفال مهووسون بأيديهم، يمصون أصابعهم في بداية حياتهم، ويركزون بصريا على أيديهم حين يدركون أن هذه الأشياء يمكن اللعب بها ومدها أمام بصرهم أو سحبها منه، حسب إرادتهم. إذن، فالأصابع عنصر بارز للغاية في حياتنا كلها. ومن الأمور المهمة للغاية أنها ليست على هذه الدرجة نفسها من البروز في تلك الأنواع القريبة منا، والتي تشترك معنا في بعض القدرات الفطرية للإدراك العددي. فالغوريلا وقرود الجيبون والشمبانزي، وغيرها من أنواع القرود القريبة من نوعنا، لا تسير على قدمين مثلنا؛ ولهذا فهي تستخدم قائمتيها الأماميتين في معظم الأحوال لأغراض الحركة. أما نحن، فنستخدم أيدينا عادة في صنع الأدوات واستخدامها، ونستخدم أصابعنا لنطاق أوسع من الأغراض، ومنها بعض الأغراض الأكثر تخصصا والتي تتطلب المزيد من البراعة والتركيز على اليدين. إننا نركز على أصابعنا أكثر مما يفعل أي نوع آخر، وربما تمثل هذه النقطة الجزء الأول من الإجابة عن سؤالنا عن الكيفية التي تمكنا بها من التوصل إلى الأعداد من خلال أيدينا.
بالرغم من بروز الأصابع في حياتنا اليومية، فمن غير المرجح أن يكون مجرد انتشارها الفعلي، هو السبب الوحيد للمفاهيم التي توصل إليها بعض مخترعي الأعداد حين أدركوا أنه يمكن مطابقة مجموعات الأصابع مع مجموعات تتكون من عناصر أخرى. وأما السبب الثاني في أن الأصابع تؤدي مثل ذلك الدور البارز، وهو سبب لم يناقش حتى الآن (حسب معرفتي) في المؤلفات، هو أنها توجد في الطبيعة متطابقة على نحو متناظر. فليس الأمر أننا نتفاعل مع أصابعنا باستمرار ونركز عليها فحسب، بل لأن كل إصبع من أصابعنا له رفيق يشبهه في اليد المقابلة، فإن احتمالية أن يتطابق كل إصبع من أصابعنا مع عنصر واحد في مجموعة أخرى من العناصر، تتأكد بثبات في خبرتنا البصرية والحسية. إن التناظر الموجود في أيدينا وأصابعنا، وتعرضنا المستمر لذلك التناظر في حياتنا التي تعتمد على اليدين بشكل غريب، قد دفع العديد من الأشخاص على الأرجح إلى إدراك إمكانية الربط بين مجموعتين تتكون كل منهما من خمسة عناصر.
وربما يدرك بعض الأفراد أيضا التطابق بين خمسة عناصر خارجية على الجسم، مع مجموعة من خمسة أصابع (مع تسمية التكافؤ العددي للأصابع الموجودة في كل يد في البداية، أو بدونه). إن هذا التوافق بين الأصابع وهذه العناصر، يستفيد على الأرجح من التوافق المادي الطبيعي للعناصر الصغيرة التي يمكن حملها باليد والأصابع، فربما حدث ذلك بسبب وضع هذه العناصر على راحة اليد. بالرغم من ذلك، أيا كان الطريق الذي يتخذه مخترعو الأعداد، فإن اختراع أنظمة عددية معقدة يعتمد عادة على المساواة الكمية بين الأصابع وعناصر محددة، ومنها الأصابع الأخرى. على مدار التاريخ البشري، اكتشف البشر هذا التطابق المنتظم بين الكميات، ثم وثقوا هذا التطابق الكمي، وقد كان ذلك في معظم الأحيان من خلال تسمية تطابق محدد باسم الكلمة التي تستخدم في لغتهم للتعبير عن «اليد». وحين استخدموا هذه التسمية بالفعل، اخترعوا أداة رمزية سهلت الإشارة إلى الكمية المعنية المحددة، وتمييزها بعد ذلك، كما سمحت أيضا بتوصيلها إلى عقول الآخرين.
بعد ذلك، يمكن لمستخدمي مفردات الأعداد أن يكونوا كلمات للأعداد الأكبر؛ فربما في أثناء عد بعض العناصر على أصابعهم، يبتكرون كلمة جديدة من خلال الجمع بين الكلمة التي تعبر عن «اثنين» والكلمة التي تعبر عن «يد» فتصبح «اثنين ويد» (أي «سبعة»). وبمرور الوقت، فإن استخدام مثل هذه الكلمة، سيؤدي إلى الاستفادة منها بأكبر درجة ممكنة، وقد يمكن استخدامها في الكثير من السياقات لتسمية مجموعات تتكون من عناصر مختلفة. وقد ينشر بعض المتحدثين الابتكار في اتجاهات جديدة، فيبتكرون كلمات تعبر عن العدد «عشرة» والعدد «عشرين»، ومن المرجح أيضا أنهم سيستخدمون من عدد الأصابع الموجودة في جسم الإنسان أساسات لمثل هذه الكلمات. ثمة الكثير من الطرق التي يمكن سلوكها؛ إذ إن مفردات الأعداد تتراكم وتقترض وتعدل وتنتشر. ونظرا إلى فائدة الأعداد ونوع العمليات التي تجعله ممكنا؛ فإنها سوف تنتشر في معظم السياقات بين أفراد الجماعة السكانية الواحدة وكذلك بين الجماعات السكانية التي تتواصل فيما بينها. ويمكن أن تدخل مفردات الأعداد إلى لغات جديدة على هيئة كلمات دخيلة أو ترجمات اقتراضية، إذ تستخدم المفاهيم على مستوى الثقافات، مع تأليف كلمات جديدة للمفاهيم المقترضة.
إن إدراكنا لفكرة أن الأصابع يمكن أن تتطابق بعضها مع بعض بشكل متناظر، ومع العناصر الأخرى إذ يطابق كل إصبع عنصرا واحدا، يأخذنا إلى ما هو أبعد من قدرات الحاسة العددية الفطرية. غير أنه إدراك قد تشكل على نحو غير متوقع؛ إذ إن بعض اللغات لا تمتلك أنظمة عددية متينة، وبعضها يستخدم أعدادا لا تتأسس على عدد الأيدي أو الأصابع. على أي حال، فإن هذه الفكرة هي العامل الأكثر فعالية في التجسيد اللفظي للكميات الأكبر من 4. (بطريقة ما، نجد أنه أمر غريب أن بعض الجماعات البشرية لا تسمي الكميات الكبيرة على أيديها، نظرا لما لدينا من انحياز تشريحي تجاه مساواة الأصابع الخمسة في إحدى اليدين، بالأصابع الخمسة الموجودة في الأخرى.) في نهاية المطاف، يعد اكتشاف وجود كميات كبيرة محددة؛ ومن ثم اختراع معظم الأعداد، ناتجا عرضيا لسيرنا على قدمين، مثله في ذلك مثل العديد من الأمور الأخرى التي نتميز بها كبشر. إن السير على قدمين قد أدى في النهاية إلى التركيز على اليدين بدرجة أكبر، والانتباه إلى تناظر أصابعنا، وقد سهل أيضا إدراك تطابق كل إصبع من أصابعنا مع غيره من الأشياء التي يمكن عدها. ونتيجة لمثل هذه العوامل، مهدت لنا أيدينا الطريق الأسهل في رحلتنا الشاقة نحو الأعداد.
7
إن الظاهرة التي نتناولها هنا، وهي فهم البشر للكميات بسبب أعضاء من أجسامهم توجد خارج الدماغ، هي مثال على ظاهرة أعم تعرف باسم «الإدراك المتجسد». على مدار العقود القليلة الماضية، أشار العديد من الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء اللغة وغيرهم إلى أن مجموعة من عمليات الإدراك البشرية تتأسس على سمات التجربة الجسدية البشرية، أو تتيسر من خلالها على الأقل. وقد وضح هذا المجال النامي من دراسة الإدراك المتجسد أن الطبيعة التشريحية لأجسادنا وطريقة عملها، تقيد بعض عمليات التفكير أو تعززها. وعلى الرغم من أن هذا ليس المكان المناسب للمناقشة المطولة لمثل هذه العمليات، فلنعد النظر مرة أخرى في مثال الإدراك الزمني الذي ناقشناه في الفصل الأول. نحن - متحدثي اللغة الإنجليزية - نفكر في المستقبل على أنه أمامنا؛ لأننا بطريقة ما نسير إلى المستقبل. ولأننا نسير، فاللحظات التي وقعت في ماضينا قد وقعت ونحن في أماكن مادية قد أصبحت الآن خلفنا . وعلى العكس من ذلك، فمن المتوقع أن تقع لحظات المستقبل بينما تكون أجسادنا في أماكن هي الآن أمامنا. إن استعارة «المستقبل أمامنا» هي نتيجة التفكير في الزمن في سياق هذه التجربة المادية الجسدية. وهذا المنظور الشائع بشأن الزمن مثال على التفكير المتجسد؛ إذ يتأثر تفسيرنا لتقدم الزمن بكيفية عمل أجسادنا. وفي سياق متصل، حين يفكر البشر أن «خمسة أشياء تشبه اليد» أو غير ذلك من الأفكار وثيقة الصلة؛ ومن ثم يخترعون الأعداد، فإن هذا يعني أن بعض سمات أجسادهم تمكنهم من العملية الإدراكية المعنية. إن إدراكهم يتجسد حين يستخدمون اليد على سبيل الكناية؛ للدلالة على خاصية كمية لتلك السمة الجسدية. وبالرغم من أن علماء اللغة قد لاحظوا أن أنظمة الأعداد غالبا ما تكون عشرية أو خماسية أو عشرينية (أو توليفة من كل ذلك)، فإن مدى تأثير التفكير الكمي المتجسد في ابتكار معظم الأعداد، لم يحظ بالتقدير الكافي في العديد من الدوائر.
8
ما بعد العد البسيط
ناپیژندل شوی مخ