124

اعداد او د انسان جوړول: شمېرل او د انسان خوځنده دورانونه

الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية

ژانرونه

هل يعني هذا أن مفردات الأعداد ليست إلا تسميات لمفاهيم؟ الأمر ليس كذلك تماما؛ إذ تبدو الحقيقة أكثر تعقيدا وتنوعا من الخيار الثنائي القسري الذي تفترضه هذه المفارقة؛ فمفردات الأعداد ليست تسميات فحسب، على الرغم من أنها تصف الاكتشافات المفاهيمية التي يتوصل إليها «بعض» الأفراد في «بعض» الأحيان. إن مصطلح «تسمية» يشير إلى أن الكلمات تعبر عن مفاهيم يفكر جميع البشر فيها، أي إن جميع البشر يولدون وهم على استعداد لإدراك هذه المفاهيم (على الأقل في نهاية المطاف)، بصرف النظر عن بيئتهم الثقافية. بالرغم من ذلك، فمن الواضح أن ليس جميع البشر يتمتعون بالقدرة على إدراك مثل هذه المفاهيم حتى وهم كبار، والأرجح أن معظم الأفراد لن يتوصلوا أبدا إلى هذه الاكتشافات المفاهيمية المعنية، التي يمكن وصفها من خلال الأعداد. وفي الوقت نفسه، من الواضح أيضا أن بعض الأفراد قد توصلوا إلى تلك الاكتشافات، حتى وإن كان ذلك بشكل غير منتظم. وفي تلك الحالات التاريخية الفعلية التي تمكن البشر فيها من وصف تلك المفاهيم بكلمات، اخترعوا الأعداد. وبعد ذلك، تمكن غيرهم من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتهم نفسها، من تمييز المفهوم الذي اخترعوا له اسما، وذلك من خلال استخدام (أو الكلمات) الوثيقة الصلة. إن مفردات الأعداد هي أدوات مفاهيمية تنتشر بسهولة؛ فهي أدوات يرغب معظم البشر في استعارتها.

إن التفسير العام الذي أقترحه ليس جوهريا بدرجة كبيرة، بل يمكن تطبيقه بالطريقة نفسها على الكثير جدا من الاكتشافات البشرية التي توصف باستخدام كلمات جديدة. فغالبا ما تتطور الكلمات أو تخترع، من أجل التعبير عن المفاهيم والأفكار التي يكتشفها البشر حديثا، لا عن الأفكار والمفاهيم الفطرية. فلنتناول مثالا «كالمصباح الكهربائي». لقد أدرك العديد من المخترعين في أواخر القرن التاسع عشر أن تمرير الكهرباء عبر فتيل معدني ينتج إنارة، وقدمت العديد من براءات الاختراع لمصابيح كهربائية قصيرة الأجل. أما توماس إديسون وموظفوه، فقد طوروا فن إنارة فتيل في مصباح زجاجي مفرغ يسمح للفتيل بالاحتراق لفترة أطول كثيرا. بطريقة ما، كان اختراع مثل هذا النوع من مصادر الإنارة قائما على اكتشاف بسيط، وهو: اعزل السلك عن الهواء المحيط، وسوف يظل مضيئا لفترة أطول كثيرا. لم يكن هذا الاكتشاف البسيط عسيرا على فهم الآخرين، وقد كان الجهاز الناتج عنه سهل التسمية بكل تأكيد؛ فمما لا شك فيه أن مصطلح «المصباح الكهربائي» ليس صعبا في الفهم، وبالرغم من هذه البساطة الجوهرية الأنيقة، وبالرغم من سهولة فهم معظم الأفراد لمفهوم «المصباح الكهربائي» والمصطلح المرتبط به؛ فإن أحدا لن يزعم أبدا أن البشر مهيئون فطريا لفهم المصابيح الكهربائية. إن «المصباح الكهربائي» يمكن أن يصف مفهوما محددا لا يصعب فهمه، لكنه ليس بمفهوم طبيعي. ومفردات الأعداد تعد هي أيضا إشارات لمفاهيم بسيطة، وربما لا نكون مهيئين فطريا بشكل مسبق للتوصل إلى تلك المفاهيم، لكن بعض البشر يتوصلون إليها، ويمكن للآخرين اكتسابها من خلال الوسائل اللغوية. ومثلما أوضحنا في المقدمة، فإن ما يتميز به نوعنا لا يتمثل في أننا نتمتع بقدرة عظيمة على الاختراع، بل أننا استثنائيون في توارث هذه الاختراعات ومشاركتها بسبب طبيعتنا اللغوية. (لقد كتب إديسون نفسه ذات مرة أنه كان «إسفنجة أكثر مما هو مخترع.») إذن، فنحن لسنا مهيئين فطريا لأن تطرأ على أذهاننا مفاهيم مثل «المصباح الكهربائي»، وتنتظر أن تجري تسميتها، ولا نحن نمتلك مفاهيم مثل 6 و7 و8 تجول في عقولنا وتنتظر أن تجري تسميتها. إن اختراع الأعداد يستلزم أولا أن ندرك بطريقة تجريبية عشوائية تعتمد على الاكتشافات الشاردة التي تتوصل إليها بعض العقول فقط، أن الكميات المحددة التي يمكن تسميتها (والتي تزيد عن ثلاثة) موجودة بالفعل.

وثمة دليل على أن العدد النحوي، أي التمييز بين المفرد والجمع على سبيل المثال، له مصدر مختلف، مقارنة بالأعداد المعجمية مثل «ستة» «وسبعة». ومثلما أشرنا في الفصل الرابع، فإن اختلافات العدد النحوي في لغات العالم (قليلا) لا تميز بين 1 و2 (ونادرا) ما تميز بين 1 و2 و3، وكذلك بين هذه الكميات وجميع الكميات الأكبر. ويبدو أن هذه الاختلافات تشير بالفعل إلى مفاهيم موجودة مسبقا، باعتبار أن أدمغتنا تتسم باستعداد فطري للتمييز بين مثل هذه الكميات. ويمكننا قول الشيء نفسه عن مفردات الأعداد الصغيرة مثل «واحد » «واثنين» «وثلاثة»، وهي تسميات لمفاهيم فطرية. إن هذه المفاهيم لها أساس بيولوجي عصبي واضح؛ ومن ثم فإن الكلمات التي تصفها توجد في الغالبية العظمى من لغات العالم. وليس من قبيل المصادفة أن مصادرها التاريخية غالبا ما تكون مختلفة عن مصادر الكلمات التي تصف الأعداد الكبيرة في لغة معينة. ومثلما يذكر عالم النفس ستانيسلاس ديهان، أن «التوحيد والتثنية والتثليث، هي ملكات إدراكية يحسبها دماغنا بعفوية بدون العد.»

4

لكن غير ذلك من مفردات الأعداد لا يستند إلى هذا الأساس العصبي، ولا تحسبه أدمغتنا بهذه الدرجة من العفوية. إن اللغة وغيرها من الجوانب الرمزية في حضارتنا، تمنح الفرصة لنوع «الإنسان العاقل» لاختراع الأعداد . بالرغم من ذلك، فإن الاستفادة من مثل هذه الفرصة ليست بالأمر السهل، مثلما يشهد على ذلك الاختلاف الواسع في تعقيد مفردات الأعداد الكبيرة وأساساتها بين الثقافات. ومع ذلك، فمثلما ناقشنا في الفصل الثالث، فإن هذا التنوع اللغوي بين الثقافات ليس عشوائيا ويشير إلى وجود بعض التوجهات الأساسية الواضحة. وهذه التوجهات تشير بوضوح إلى أنه بالرغم من أن البشر يمكن أن يتخذوا أكثر من مسار مختلف يأخذهم إلى اختراع رموز تطابق الكميات التي يميزونها في بعض الأحيان، فإن هذه الرموز تخترع عادة عن طريق الأيدي. وهذا الطريق اليدوي أساسي للأعداد الأكبر من 4.

في دراسة حديثة لتاريخ مفردات الأعداد في أستراليا، لاحظ عالما النفس كيفين زو وكلير بويرن، نمطا مثيرا للاهتمام، وهو يتوافق مع التفسير العام الذي نطرحه هنا. ووفقا لهذا النمط، فإن الأعداد من 1 إلى 3 تتسم بمكانة أكثر أساسية من الأعداد الكبيرة؛ فقد وجدا أن الكلمة التي تعبر عن العدد 4 في هذه اللغات عادة ما تكون تركيبية، أي إنها تتكون من مفردات أعداد أصغر. في الفصل الثالث، كنت قد أشرت إلى أننا نلاحظ وجود هذا النمط أيضا في لغة الجاراوارا بإقليم الأمازون؛ فالكلمة التي تعبر عن العدد 4 في هذه اللغة هي

famafama

وتعني «اثنين اثنين». وتوجد أيضا أنماط مماثلة في العديد من اللغات الأخرى في الأمازون وأستراليا وغيرها من الأماكن. وهذه السمة التركيبية للعدد «أربعة» تشير إلى أن تسمية هذا المفهوم أقل سهولة؛ فهو مفهوم يتجه البشر إلى تسميته في معظم الأحيان من خلال الاستعانة بأفكار أبسط، أفكار قد تشكلت مسبقا. وبالرغم من أننا نستطيع تسمية العدد «أربعة» من خلال الجمع بين عددين أصغر منه، ونحن نفعل ذلك بالفعل، فهو عدد مخالف للقاعدة. فالأعداد الأكبر من «أربعة» لا تبتكر عادة من خلال التركيب البسيط لكميات أبسط مثل 2، وإنما بتسمية الكميات على الأيدي بطريقة ما. وبالرغم من أن اللغات الأسترالية، يمكن أن تفقد بعض مفردات الأعداد أو تكتسب بعضها على مدار الوقت، فقد استنتج زو وبويرن أن تلك اللغات غالبا ما تكتسب الأعداد الأكبر من خمسة، بسرعة أكبر إلى حد ما، بعد اكتساب كلمة تعبر عن العدد «خمسة»، التي ترتبط من الناحية الاشتقاقية في أكثر عائلات اللغات الأسترالية انتشارا، بالكلمة التي تعبر عن «اليد». إن مثل هذا الاكتشاف، مع الأساسين الخماسي والعشري الشهيرين في الغالبية العظمى من الأنظمة العددية في العالم، يشير إلى أن العدد «خمسة» المستند إلى اليد، هو بمثابة الأساس للأنواع الأكثر فاعلية من الأنظمة العددية؛ فعادة ما يكون بمثابة المدخل لأشكال جديدة من التفكير العددي.

5

إن الجسم هو الأساس لمعظم مفردات الأعداد الأكبر من «أربعة»؛ إذ يتعلم البشر أنهم يستطيعون المطابقة بين أصابعهم وبين المجموعات الصغيرة التي يعدونها. إن العد على الأصابع يسهم في تعزيز حقيقة أن الكلمات التي تعبر عن «اليد» أو «الأيدي» كثيرا ما تمثل المصدر التاريخي للأعداد وأساساتها. وبالرغم من مزايا هذا التفسير بشأن مفردات الأعداد الكبيرة، فإنه يغفل بعض الأسئلة المهمة، منها: كيف تأسست علاقة التطابق بين الأصابع وأحجام المجموعات منذ البداية، ولماذا؟ وإذا كان البشر اللاعدديون، من الأطفال الذين لم يكتسبوا مهارة اللغة بعد، والصم الذين لا يعرفون لغة الإشارة في نيكاراجاوا، وشعب الموندوروكو، يواجهون صعوبة في التمييز بين الكميات الكبيرة بدقة، فكيف تمكن أي إنسان بالغ «أي مخترعو الأعداد» من تمييز التطابق بين الأصابع بدقة، لا سيما تطابقها مع غيرها من العناصر التي يمكن عدها والتي تمثل مجموعات كبيرة من خمسة أو عشرة؟ وما السبب في أن الأصابع مهمة للغاية في إحراز تقدم نحو التفكير العددي المعقد؟

ناپیژندل شوی مخ