ابو الشهدا حسین بن علی
أبو الشهداء الحسين بن علي
ژانرونه
على أن الطبائع الآدمية قد أشربت حب الشهداء والعطف عليهم وتقديس ذكرهم بغير تلقين ولا نصيحة، وإنما تنحرف عن سواء هذه السنة لعوارض طارئة أو باقية تمنعها أن تستقيم معها. وأكثر ما تأتي هذه العوارض من تضليل المنفعة والهوى القريب، أو من نكسة في الطبع تغريه بالضغن على كل خلق سوي وسجية سمحة محببة إلى الناس عامة، أو من الإفراط في حب الدعة حتى يجفل المرء من الشهادة استهوالا لتكاليفها واستعظاما للقدوة بها، فيتهم الشهداء بالهوج، ويتعقب أعمالهم بالنقد؛ لكيلا يتهم نفسه بالجبن والضعة، ويستحق المذمة واللوم في رأي ضميره. وإن لم يتهمهم بالهوج ولم يتعقبهم بالنقد، وقف من فضائلهم موقف ازورار وفتور، وجنح إلى معذرة الآخرين والتفاهم بينه وبين من لا يستشهدون، ثم يعارضون الشهداء فيما يطمحون إليه.
ومعظم المؤرخين الذين يعارضون الشهداء ودعاتهم لغير منفعة أو نكسة هم من أصحاب الدعة المفرطة وأنصار السلامة الناجية، ويغلب على هذه الخلة أن تسلبهم ملكة التأريخ الصحيح؛ لأنها تعرضهم للخطأ في الحكم والتفكير، كما تعرضهم للخطأ في العطف والشعور.
ومن المعقبين على تاريخ هذه الفترة عندنا - في العربية - مؤرخ يتخذ منه المثل لكل من العذر والعطف حين يصل الأمر إلى الاستشهاد كراهة للظلم ودرءا للمنكرات، وهو الأستاذ محمد الخضري صاحب تاريخ الأمم الإسلامية رحمه الله.
ففي تعقيبه على ثورة المدينة التي قدمنا الإشارة إليها يقول: «إن الإنسان ليعجب من هذا التهور الغريب والمظهر الذي ظهر به أهل المدينة في قيامهم وحدهم بخلع خليفة في إمكانه أن يجرد عليهم من الجيوش ما لا يمكنهم أن يقفوا في وجهه. ولا ندري ما الذي كانوا يريدونه بعد خلع يزيد؟ أيكونون مستقلين عن بقية الأمصار الإسلامية، لهم خليفة منهم يلي أمرهم أم حمل بقية الأمة على الدخول في أمرهم؟ وكيف يكون هذا وهم منقطعون عن بقية الأمصار ولم يكن معهم في هذا الأمر أحد من الجنود الإسلامية؟ إنهم فتقوا فتقا وارتكبوا جرما فعليهم جزء عظيم من تبعة انتهاك حرمة المدينة، وكان اللازم على يزيد وأمير الجيش ألا يسرف في معاملتهم بهذه المعاملة؛ فإنه كان من الممكن أن يأخذهم بالحصار.» •••
ويخيل إليك وأنت تقرأ كلام الأستاذ عن هذه الفترة كلها أن لديه أعذارا ليزيد وليس لديه عذر لأهل المدينة؛ لأنه يفهم كيف يغضب المرء لما في حوزته، ولا يفهم كيف تضيق به كراهة الظلم وغيرة العقيدة عن الاحتمال.
وشعوره هذا يحول بينه وبين الحكم الصحيح على حوادث التاريخ؛ لأنه يحول بينه وبين انتظار هذه الحوادث حيث تنتظر لا محالة، واستبعادها حيث هي بعيدة عن التقدير.
فلم يحدث قط في مواجهة الظلم وانتزاع الدول المكروهة أن شعر الناس كما أرادهم الأستاذ أن يشعروا، أو فكروا في الأمر كما أرادهم أن يفكروا.
ومستحيل حدوث هذا أشد الاستحالة، وليس قصاراه أنه لم يحدث من قبل في حركات التاريخ.
فهذه الحركات التي تواجه الدول المكروهة لا تنتظر - ولا يمكن أن تنتظر - حتى تربى قوتها وعدتها على ما في أيدي الدولة التي تكرهها من قوة وعدة، ولكنها حركة أو دعوة تبدأ بفرد واحد يجترئ على ما يهابه الآخرون، ثم يلحق به ثان وثالث ورابع ما شاء له الإقناع وضيق الذرع بالأمور، ثم ما ينالهم من نقمة فيشيع الغضب وينكشف الظلم عمن كان في غفلة عنه، ثم يشتد الحرج بالظالم فيدفعه الحرج إلى التخبط على غير هدى، ويخرج من تخبط غليظ أحمق إلى تخبط أغلظ منه وأحمق؛ فلا هم يقفون في امتعاضهم وتذمرهم ولا هو يقف في بطشه وجبروته، حتى يغلو به البطش والجبروت، فيكون فيه وهنه والقضاء عليه.
وعلى هذا النحو يعرف المؤرخ الذي يعالج النفوس الآدمية ما هو من طبعها، وما هو خليق أن ينتظر منها، فلا يعالجها حق العلاج على أنها مسألة جمع وطرح في دفتر الحساب بين هذا الفريق وذاك الفريق.
ناپیژندل شوی مخ