يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا .
والعصبة المجان الذين أراد أبان اللاحقي أن يتشبه بهم هم طائفة من زملاء أبي نواس، كحماد عجرد ووالبة بن الحباب ومطيع بن إياس وقاسم بن زنقط وعيسى بن غصين وعبيد العاشقين، الذي لقب بذلك لجمعه عاشقا ومملوكه وعاشقا وجاريته، وغيرهم ممن يكبرونه في السن أو يقاربونه، ولكنه كان أشهرهم بمنحاهم في المجون؛ لأن دواعيه إليه أكثر وشعره فيه أسير، فهل يحل من هذه الطائفة محل «الشخصية النموذجية» التي تقدم الكلام عليها، معظمهم مثله من الموالي الذين فتحت لهم ثقافة العصر أبواب المعرفة، وكلهم من الذين ابتلوا بمركبات النقص على اختلافها، وليس فيهم من تسلطت عليه جميعا كما تسلطت عليه.
فلا زندقة عند صاحبنا ولا فلسفة، وكل ما عنده ولع بالظهور، وضعف عن مقاومة الغواية والفجور.
وبغير «دراسات نفسية» أو تحليلات عويصة في البواطن الخفية أيمكن أن يكون إنسانا كأبي نواس منكرا للدين كله مواجها الظلام المجهول بذلك الإنكار؟
ليست المعضلة في هذا السؤال معضلة الصلاح والبصيرة الروحانية، وليس فقدان الصلاح والبصيرة الروحية هو كل ما يلزم للإنكار والإصرار عليه، فقد يكون المرء مجردا من صلاح الدين والخلق، مقفر الوجدان من البصيرة الروحانية. ثم لا يقوى على مواجهة الموت الأبدي والظلام السرمدي على يقين وإصرار، ولا بد له في هذا الموقف من صرامة واقتحام يواجه بهما تلك المخافة، التي لا مخافة مثلها في الحياة ولا بعد الحياة.
فهل طبيعة كالطبيعة النواسية تنبني على ذلك المعدن الصلد الجسور، وهل عنده من الشكوك ما يتغلب في أعماق طبعه على تعلات الأمل والرجاء؟
لو اجتمع شهود العالم ومعهم الأطباء النفسيون على زعم كذلك الزعم لما أقنعوا أحدا بزعمهم، الذي تنقضه كل لحمة وسداة في نسيج هذه النفس الرخية المهلهلة، ولكن الأطباء النفسيين على الأقل لا يزعمون له تلك القوة الصماء؛ لأن طبيعته والقوة بأشكالها وأنواعها لا تتفقان.
وأقرب من ذلك إلى المألوف أننا أمام نفس ضعفت عن غواية الظهور وغواية الفجور، ولم تخل قط من شاغل بالدين تتمسح به أو تتحرش به كما تقدم في صدر هذا المقال، وأعيتها عقيدة العزم والمناعة، فاحتالت حيلتها كي تظفر بعقيدة تركن إليها، فوجدتها في نحلة من نحل عصرها، نخالها هي النحلة الوحيدة التي تكلف النواسي الاطلاع على مراجعها، أو على ما يلائمه من تلك المراجع فطابت له، وتقبلتها سريرته على الكره منها؛ لأنها لا تستطيع الخلو من عقيدة، ولا تستطيع عقيدة العزم والمناعة.
تلك هي نحلة «المرجئة» كما توسع فيها طلاب الرخصة من قبيل أبي نواس، وقد وسعوها بأهوائهم فوسعت لهم كل ما اشتهوه.
نحلة المرجئة
ناپیژندل شوی مخ