184

ابو نواس

أبو نواس: الحسن بن هانئ

ژانرونه

ه ذا ركن وأستار

لقد أصبحت من حبك

بين الخلد والنار

ولا نهاية لهذا المعنى إلا باستنفاد خمرياته وغزلياته، فهو لا يني في قصائده هذه «يتحرش» بالدين والعبادة، وينم تحرشه هذا على العاطفة التي ينم عليها التحرش عادة، وهي عاطفة ليست من العداء وليست من الازدراء، ولكنها شغلان يشوبه العبث واهتمام لا يقوى على الجد، ولا على الترك والنسيان، وفهمه ميسور إذا قسناه على كل تحرش من قبيله في العواطف الإنسانية، فالتحرش قبل كل شيء اهتمام.

مغالاة بقيمة اللذة

وهذا الاهتمام بذكر الحرمات في شعر أبي نواس إنما هو مغالاة بقيمة لذته، وتقريبه بين الشعور بها والشعور بالقداسة، فليس هو في وعيه الخفي حطا من قيمة الحرمات، بل رفع لقيمة اللذات واعتزاز بمقاربتها لمكان الصون من العبادة والتقوى.

دخل أبو نواس السجن لاتهامه بالزندقة، وطال حبسه حتى زار السجن خال الوزير الفضل بن الربيع يتفقد السجناء، ويتحرى أسباب سجنهم، فسأل أبا نواس: أزنديق أنت؟ قال: معاذ الله! قال: لعلك ممن يعبد الكبش؟ قال: أنا آكل الكبش بصوفه، قال: فلعلك ممن يعبد الشمس؟ قال: إني أترك القعود فيها بغضا لها، فكيف أعبدها؟ قال: أفتذبح الديك؟ قال: ذبحت ألف ديك؛ لأن ديكا مرة نقرني فحلفت لا آخذ ديكا إلا ذبحته. فسأله: ألك ذنب غير هذا؟ قال: لا والله! اتهموني أنني أشرب شراب أهل الجنة وأنام خلف الناس. قال - وكانت فيه غفلة: فأنا أيضا أفعل هذا فلماذا حبست؟ ثم خرج إلى الفضل فقال: ما تحسنون جوار النعم، تحبسون من لا ذنب له!

ولم يكذب الخبيث في جواب واحد، فما كانت له نحلة من هذه النحل، ولم يعتقد شيئا من عقائد الزنادقة في عصره عن جد ودراية، ولكن الذين حبسوه على هذا لم يظلموه، ولم يعتقلوه لغير جريرة، فإنه لم يدع تهمة تلحقه بالزنادقة إلا تعرض لها وأورد نفسه كل مواردها، وأعلن من كلامه وفعاله ما يثبتها ويستغني عن الشهود والبينة عليها.

على أن المحتسبين الموكلين بالزنادقة والمفسدين لا يعوزهم الشهود ممن كانوا يحبون الوقيعة بالشاعر لسيئاته وحسناته على السواء، فلم يكن أكثر من حساده بين أنداده كما قال محمد بن عمر: «ولم يكن شاعر في عصر أبي نواس إلا وهو يحسده لميل الناس إليه، وشهوتهم لمعاشرته وبعد صبته وظرف لسانه»، وأشد من حساده سعيا إلى الوقيعة به من كان يهجوهم، أو يرتفع عليهم أو يسخر منهم، وهم غير قليلين.

وأكثر منهم عددا من كانوا يشهدونه ويسمعونه، وهو يجهر بالعصيان والدعوة إليه، ويقول في بعض غزله:

ناپیژندل شوی مخ