1
وكان من جملة رجال تلك الدعوة من الفرس خالد بن برمك وأبو عون الخراساني. وكانا بين الحضور في تلك الليلة، فتناولوا العشاء مما أعده خدم الدهقان كالعادة. فلما فرغوا من الطعام قال لهم أبو مسلم: «اعلموا أننا ناهضون في صباح الغد إلى (فنين)؛ إذ ننزل فيها على أخينا أبي الحكم عيسى بن أعين النقيب، وهناك ننظر في توجيه القواد إلى الشيعة في الأطراف، فتأهبوا للنهوض باكرا، ومروا رجالكم بإعداد الأحمال اللازمة، حتى نقوم من هنا في الفجر ونصل (فنين) في الضحى.»
فتحدثوا في ذلك مليا ثم نهضوا إلى خيامهم، وأصبحوا في الفجر وقد تأهبوا للرحيل. وكانت مياه المطر قد جفت واعتدل الطقس، ولكنهم لم يستغنوا عن الالتفاف بالعباءات والفرو دفعا للبرد.
وصلوا (فنين) في الضحى وقد أشرقت الشمس فأرسلت الدفء في الحياة، فنزلوا هناك على عيسى بن أعين فنصبوا الخيام للرجال، ونزل أبو مسلم وخاصته الذين ذكرناهم في بيت عيسى المذكور في شعبان سنة 129ه. وعند وصولهم عقدوا جلسة اتفقوا فيها على إنفاذ النقباء إلى الأطراف؛ لإظهار الدعوة وجمع الرجال للحرب.
وكانت تلك الجلسة في قاعة كبيرة غصت بأصحاب اللحى من الشيوخ، وكلهم ينقادون لرأي أبي مسلم - وهو شاب كأحد أولادهم - ولكنهم كانوا لا يرون مفرا من الامتثال لأمر الإمام؛ لأنهم إنما قاموا يدعون له، ويؤمنون بصدقه، ويعملون برأيه. فلما اجتمعوا وتداولوا، أخذ أبو مسلم في توجيههم، فوجه أبا داود النقيب ومعه عمر بن أعين؛ أخو عيسى، إلى طخارستان فما دون بلخ، ووجه نصر بن صبيح وشريك بن غضبى التميميين إلى مرو الروذ (غير مرو المحاصرة) ووجه عبد الرحمن بن سليم إلى الطالقان ، ووجه الجهم بن عطية إلى خوارزم، وأرسل غيرهم أيضا، وأوصاهم جميعا أن يظهروا الدعوة في رمضان لخمس بقين منه، إلا إذا أعجلهم عدوهم قبل ذلك بالأذى والمكروه، فعندئذ يحل لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، ويجردوا السيوف، ويجاهدوا أعداء الله، ومن شغله منهم عدوهم عن الوقت فلا حرج عليهم أن يظهروا بعد الوقت، وأوصاهم بالصبر والثبات، فنهضوا.
وظل أبو مسلم في (فنين) إلى أول رمضان، ثم نهض بمن بقي من رجاله حتى نزل سفيذنج في اليوم الثاني من رمضان، وفيها سليمان بن كثير الخزاعي؛ المتقدم ذكره، فأشرفوا على مرو عن بعد؛ لأنها في سهل واسع مستو محاط بالجبال حتى لا يرى المقيم فيها جبلا،
2
وليس في شيء من حدودها جبل، وأرضها سبخة كثيرة الرمال.
فلما نزل أبو مسلم سفيذنج استقبله سليمان بن كثير ورحب به وبرفاقه، وأنزله هو وخالدا عنده. ونزل الباقون في الخيام، ولبثوا ينتظرون اليوم المعين لإظهار الدعوة يوم 26 رمضان؛ أي لخمس بقين منه، وهو اليوم الذي أمر قواده بإظهارها فيه. «فدعا أبو مسلم الدعاة، وبث جماعة منهم في القرية المجاورة يدعون إلى إبراهيم الإمام تحت ظل أبي مسلم الخراساني. فجاءهم في ليلة واحدة أهل ستين قرية.»
وفي اليوم الثاني من وصوله هناك، وقف هو وسليمان وخالد في مكان يشرفون منه على مرو وما حولها، فرءوها محاطة بسور من طين، وفي وسطها بناء هائل هو قهندزها؛ أي قلعتها، وهي في الكبر مثل مدينة عالية يراها القادم عن بعد، فقال أبو مسلم: «إني لأستغرب أمر هذا القهندز؛ لضخامته وكبره وعلوه.»
ناپیژندل شوی مخ