فنهضت جلنار من فراشها إلى صندوق صغير في أحد جوانب الغرفة أخرجت منه صرة من الحرير ودفعتها إلى ريحانة وهي تقول: «هذه خمسمائة دينار؛ استخدميها فيما تشائين ولا تبطئي، وإذا وفقت إلى ما أريد فلن أنسى تعبك.»
فتناولت ريحانة الصرة ونهضت وهي تقول: «اطمئني.» وخرجت وهي تسترق الخطى، وتركت جلنار على مثل الجمر.
الفصل العاشر
نسب أبي مسلم
لم تكد ريحانة تخرج من الغرفة حتى رأت الضحاك قادما كأنه كان على موعد معها، فلما رأته بغتت، ولكنها تجلدت وأشارت إليه أن يتبعها عن بعد، وسارت إلى غرفتها في طرف القصر مما يلي الحديقة، فدخل في أثرها، فأغلقت الباب وراءه وهي تنظر إليه وتضحك، وكان وهو داخل قد دق رأسه في عتبة الباب لطوله، فوقعت العمامة على الأرض فإذا هو حليق الرأس، فدهشت لذلك وأرادت أن تسأله عن السبب، لكنه أسرع إلى العمامة فوضعها على رأسه وتقدم إليها وهو يقول: «يظهر أنك تحبينني يا ريحانة. بارك الله فيك.» وضحك وعض على شفته السفلى، وتشاغل بإصلاح عمامته، ثم ضحك ضحكة البله وجعل يطرق بأطراف أنامله على أسنانه، فضحكت ريحانة من قوله وحركته، ثم عبست في وجهه عبوسا يخالطه الابتسام وقالت: «إني أحبك لخفة روحك وعلو همتك، وخصوصا إذا أطعتني فيما سأخاطبك بشأنه الآن. هل عندك للسر مكان؟»
فقال وهو يضحك «عندي لكل سر مكان، وللأسرار عندي منازل وطبقات، وإذا كنت تشكين في ذلك، فأخبريني فأخرج حالا.»
فضحكت وقالت: «ألا تكف عن مجونك يا رجل؟ أعرني أذنك الآن، وأصغ لما أعرضه عليك بحياة الدهقانة وحرمتها عندك.»
فتجلد الضحاك، وأظهر الجد، وتأدب في موقفه وقال: «قولي. إني طوع أمرك.»
قالت: «هل تعرف ضيوفنا الليلة؟»
قال: «أيهم تعنين؟ هل تعنين أبا مسلم الخراساني الذي لا يعرف أباه، أم خالد بن برمك المجوسي؛ صاحب النوبهار، أم خازن أبي مسلم إبراهيم اليهودي ؟»
ناپیژندل شوی مخ