1
فكان سكان المملكة الإسلامية غير العرب يقاسون مر العذاب من عمال بني أمية، ويودون التخلص من دولتهم. وكانوا أول المجيبين لمن يدعو إلى غيرها أو يطلب إسقاطها.
ولولا دهاء بعض خلفائها وأمرائها لما طالت مدة حكمها، ولكنها قامت بدهاء معاوية وأنصاره؛ كزياد ابن أبيه، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة. والناس بايعوا معاوية رهبة من سيفه، أو رغبة في عطائه، وهم يعتقدون أن أهل بيت النبي أولى بذلك الأمر. وقد تهيأت لهذه الدولة ظروف كثيرة ساعدت على بقاء الخلافة في بني أمية نيفا وتسعين سنة.
وكان أهل بيت النبي في أثناء ذلك يطلبون الخلافة لأنفسهم ولا يفلحون، وهم فئتان كبيرتان: فئة ترجع بأنسابها إلى الإمام علي ابن عم النبي؛ وهم العلويون، وفئة ترجع إلى العباس بن عبد المطلب؛ عم النبي؛ وهم العباسيون. والعلويون فئتان: فئة تطالب بالخلافة لأبناء علي من زوجته فاطمة بنت النبي؛ وهم: الحسن والحسين ومن تسلسل منهما، وفئة تطلبها لابنه محمد بن الحنفية. وكان دعاة محمد هذا يقال لهم: الكيسانية، وأما العباسيون فتسمى شيعتهم: الراوندية.
والعباسيون لم يطالبوا بالخلافة إلا في أواخر دولة بني أمية، وأما العلويون فما انفكوا من زمن معاوية وهم يطالبون بها، فيرسلون الدعاة إلى أنحاء المملكة الإسلامية يدعون الناس إليهم، وكثيرا ما اجتمع حول بعضهم ألوف من الأنصار والأشياع، ولكنهم لم يفلحوا، حتى إذا انقضى القرن الأول وأخذ شأن بني أمية في الضعف، وأخذت دولتهم في الانحلال؛ كانت دعوة الكيسانية قد وجدت صدى، وهم يدعون لأبي هاشم بن محمد بن الحنفية المذكور. وقد كثر دعاتهم في العراق وخراسان. وكان أبو هاشم قد أوصاهم أنه سيحول الدعوة إلى آل العباس، فلما علمت شيعة أبي هاشم بموته قدموا إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس المذكور وبايعوه، فبعث الدعاة إلى الآفاق في السنة المائة للهجرة سرا. وكان أكثر الذين أجابوا الدعوة من الموالي غير العرب، وخاصة في خراسان؛ لبعدها عن مركز الخلافة الأموية بدمشق. وفي سنة 124ه، توفي محمد بن علي؛ صاحب الدعوة، فبايع الناس ابنه إبراهيم وكانوا يسمونه الإمام. وما زال أمر العباسيين يقوى وأمر الأمويين يضعف حتى انقضت الدولة الأموية، وقامت الدولة العباسية سنة 132ه. وكان قائد شيعة العباسيين شابا فارسيا اسمه أبو مسلم الخراساني؛ هو بطل هذه الرواية.
الفصل الثاني
دهقان مرو
كانت بلاد فارس وخراسان وما وراء النهر قبل الفتح الإسلامي مؤلفة من المدن والقرى، وكان رجال الحكومة يقيمون في المدن ويجعلون فيها كل قوتهم. وأما القرى فقد كانت في حوزة جماعة من أشراف الفرس يعرفون بالدهاقين، على نحو ما كانت عليه حال قرى أوروبا في عصر الإقطاع؛ إذ كانت البلاد في أيدي الأمراء الأشراف من الكونتية واللوردية، وكل أمير منهم يحكم مقاطعة تعرف باسمه، يحرسها جنده، ويزرعها رجاله، وهو فيهم مكان الحاكم المطلق. وكان الدهقان ورجاله يحكمون أهل القرى؛ سكان البلاد الأصليين، ويستخدمونهم استخدام الرق. وكان السكان خليطا من الشعوب الآرية يمتازون بضخامة البدن وبروز الصدر.
كذلك كان الدهاقين في خراسان وغيرها حينما فتح العرب تلك البلاد، فهم إنما فتحوا المدن وأقاموا فيها الحامية. أما القرى فأقروا فيها الدهاقين على نحو ما كانوا عليه في دولة الفرس، واستعانوا بهم في كثير من الأحوال؛ وبخاصة في جمع الخراج، بما كان لأولئك الدهاقين من النفوذ العظيم على أهل البلاد الأصليين. وكثيرا ما كانوا يتجسسون بهم على أحوال الحكام وغيرهم. وكان الدهاقين من الجهة الأخرى ينتفعون بتقربهم من الفئة الحاكمة، ويجتزئون مما كانوا يجمعونه من الخراج، فتضاعفت ثروتهم وزاد نفوذهم، على أنهم كانوا يتفاوتون ثروة ونفوذا؛ فمن صاحب القرية الصغيرة أو المزرعة إلى صاحب الرساتيق العديدة والبلاد الواسعة. وكثيرا ما كانوا يتولون الحكومة كالأمراء، لكن بني أمية كانوا يسيئون إلى أولئك الدهاقين أحيانا في جملة إساءتهم إلى غير العرب. وكانت ديانة الدهاقين المجوسية ديانة الفرس القدماء، وانقضت أيام بني أمية ولم يسلم منهم إلا القليلون.
وكان أعظم دهاقين خراسان في أوائل القرن الثاني للهجرة دهقانا كانت ضياعه أكثرها بجوار مدينة مرو؛ عاصمة خراسان في ذلك العهد؛ ولذلك غلب عليه الانتساب إلى تلك المدينة، فكان يسمى «دهقان مرو». وكان لهذا الدهقان ابنة اسمها جلنار غلبت شهرتها على شهرته بالجمال والعقل، وقد ذاع ذكرها بين الناس حتى أصبحت مضرب أمثالهم بالأنفة والإمساك عن الزواج مع كثرة الخطاب من كبار الدهاقين والأمراء. وكان إذا طلبها طالب عرض أبوها عليها أمره ورغبها فيه، فإذا أبت جاراها في الرفض.
ناپیژندل شوی مخ