فلما دخلوا علم الدهقان أنهم الجلادون، وسمع أبا مسلم يقول لهم: «خذوا هذا الخائن إلى خوارزم.»
فعلم الدهقان أنه يأمر بقتله، فنهض وترامى على قدمي أبي مسلم، وجعل يتضرع ويتوسل وهو يبكي ويقول: «اصفح يا مولاي عن ذنبي فأعطيك كل ما أملك.»
فأجابه أبو مسلم وهو ينظر إلى سقف القاعة، وقال بصوت ضعيف: «إن مالك لنا، سواء قتلت أو بقيت حيا.» فلما لم ير الدهقان إصغاء من أبي مسلم تحول إلى خالد بن برمك وترامى عند قدميه واستشفعه، فرق خالد له، ولم يكن أحد يجرؤ على مراجعة أبي مسلم في شيء غيره، فهمس في أذنه كلاما، فقال أبو مسلم: «قد أجلنا قتله الآن. خذوه إلى السجن لننظر في أمره.»
فتقدم الأربعة وساقوا الدهقان بين أيديهم حتى خرجوا من باب سري يؤدي إلى غرفة مظلمة جعلوه فيها ولا سبيل لأحد إليه.
الفصل الخمسون
الشفاعة
أما جلنار فإنها نزلت في قصر ذلك الدهقان بجوار دار الإمارة وقد استأنست بقرب الحبيب، فأنزلها صاحب القصر بين نسائه، فلقيت عندهن كل إكرام وترحيب، وخاصة من الدهقانة صاحبة المنزل؛ لأنها كانت تعرفها وتعرف والدتها قبلها، على أن جلنار كانت لا تستأنس بأحد؛ لاشتغال خاطرها بأبي مسلم وما عسى أن يدور بينه وبين والدها بشأنها، وكانت تنتهز الفرص لتخلو بريحانة وتحدثها فيما يهمها من الشئون ريثما يعود والدها من تلك الزيارة. وحان موعد الظهر وأهل البيت ينتظرون مجيء الدهقان ليتناولوا الطعام معا، فلما أبطأ ظنوه تناول طعامه على مائدة الأمير، فتناولوا طعامهم. وكانت جلنار أكثرهم قلقا على غيابه، ليس خوفا على حياته؛ لأن ذلك لم يخطر ببالها، بل حبا في معرفة ما يدور من الحديث بصددها.
قضت بقية ذلك النهار وهي على مثل الجمر، وريحانة تعدها وتمنيها حتى أمسى المساء، فلاحظت على أهل القصر تغيرا ، ورأتهم يجتمعون ويتسارون، وإذا رأوها تظاهروا بالمجاملة والمحاسنة ، فاشتغل خاطرها وشكت ذلك إلى ريحانة، فقالت لها: «وأنا لاحظت ذلك عليهم.»
فقالت جلنار: «لا بد من أمر حدث لوالدي.»
وما أتمت كلامها حتى جاء أحد الخدم يقول لجلنار: «إن أحد خدمكم بالباب.»
ناپیژندل شوی مخ