فأشار مطيعا وذهب إلى فراشه وهو لا يصدق ما وفق إليه من أسباب السعادة، ولم يستطع النوم من شدة الفرح إلا قبيل الفجر، فإن النعاس غلب عليه فنام. واستيقظ في الصباح فنهض وتهيأ للذهاب وهو يخشى أن يعدل أبو مسلم عن عزمه، فإذا بأحد الغلمان يدعوه إليه، فهرول حتى وقف بين يديه، فدفع إليه كتابا مختوما وقال له: «ضع هذا الكتاب في مكان سري؛ فإني لا أريد أن يطلع عليه أحد من رجالي، واذهب من هذا الطريق (وأشار إلى طريق غير الذي تعود المجيء منه)، وإذا علمت أن أحدا من رجالي اطلع عليه أو علم به فأنت تعرف جزاءك.»
الفصل الحادي والأربعون
فتح مبين
فتناول الكتاب وخبأه في جبيه وودع أبا مسلم وخرج وهو في ملابس المجون؛ الجبة والعمامة المنحرفة، والنعل في قدميه، ومشى من وراء الخيام حتى توارى عن أبي مسلم، ثم عرج ليدور من وراء المعسكر وهو يسرع في خطواته، فرأى بضعة فرسان عرف من ملابسهم أنهم من رجال أبي مسلم، فتحول ليبتعد مخافة أن يسألوه عما يحمله ، فإذا هم يركضون جيادهم نحوه، فظل مسرعا، فأسرعوا نحوه حتى أحدقوا به، وأشار أحدهم إلى رفاقه فانقضوا عليه وضايقوه، فوقف وسألهم عما يريدون، فابتدره رجل ملثم منهم قائلا: «من الرجل؟»
فتحير ولم يدر بماذا يجيب ثم قال: «إني عابر سبيل.»
فقال له: «ليس هذا سبيلا للعبور. قل لنا: من أنت؟ وما غرضك؟»
قال: «لا شأن لكم بغرضي فإني سائر في مهمة.» ولم يجسر أن يخبرهم عن مهمته.
فتحول بضعة منهم وفي أيديهم الحبال وأوثقوه وقيدوه وهم يقولون: «إما أن تخبرنا عن غرضك أو تبقى أسيرا عندنا.»
قال الضحاك: «سيروا بي إلى الإمام أبي مسلم، فتعلمون من أنا.»
قالوا: «لا نسير بك إليه ما لم تخبرنا.»
ناپیژندل شوی مخ