بحسن الذكر أو حيا كميت
فيأنس أبو العلاء إلى ما سمع، ويعجبه أن يروى له شعره بعد مئات السنين، ويسألهم: وماذا تريدون الآن من جمع الجموع حول هذا التابوت الذي تبنونه؟ أتراكم تمدحونني وأنا القائل:
إن مدحوني ساءني مدحهم
وخلت أني في الثرى سخت
فيجيبه أريب كيس من القوم يعرف كيف يتسلل إلى كمين الرضى من سريرة الشيخ، ويقول له: بل نثني على أنفسنا وعلى بلادنا بما أنجبت من فضلك وأحيت من ذكرك وحفظت من أثرك، فإنما يعيبنا ولا يعيبك أن ننسى هذا ونتمادى في نسيانه، ولن يضيرك أن نكف عن مديحك وأنت القائل عرفانا بقدرك:
فلا وأبيك ما أخشى انتقاصا
ولا وأبيك ما أرجو ازديادا
ولكنه يضيرنا كل الضير أن يثني عليك الغرباء ونحن سكوت، وأن يمدح الناس من ملل الأرض حكماءهم وشعراءهم ولا نمدحك ونشيد بمناقبك وسجاياك.
وكأنما يطلق ألسنتهم إصغاء الشيخ وارتياحه وما يعهدونه فيه من حب الصراحة والفكاهة، فيقول منهم قائل: ثم ماذا يخيفك اليوم من المديح، وقصاراك من خوفه أن تحسب أنك سخت في باطن الأرض؟! لقد أصبح الخيال حقا والحسبان واقعا، وجربت بطن الثرى مئات السنين؛ فلا ضير عليك اليوم أن تسمع من المديح الدواوين والأسفار! •••
فيضحك الشيخ ويتفسح للحديث ويجري معهم في مجراهم فيقول: لا يغرنكم يا أبنائي أنني أزهد في المديح وأنني أسكن إلى الزهد فيه وفي المجد والسلطان، فما أبرئ نفسي من كبرياء، وما أزعم أنني اخترت العزلة والفاقة عن صغر في المطامع أو قناعة بالحظ الوضيع، ولكنني لا أرى لأحد عيشا في هذه الدنيا إلا أن يسودها أو يستخف بها ويعرض عنها:
ناپیژندل شوی مخ