110

قال المعري: أما إن أردت أنهم أفلحوا حيث أخفق الصينيون فأنت على صواب، وأما إنهم يفلحون هكذا لو كانت أرضهم هي أرض الصين وأحوالهم هي أحوال الصينيين فذلك هو البعيد؛ إن القوم قد أخذوا قديمهم من الصين وأخذوا حديثهم من الغرب ووجدوا في عزلتهم من وراء بحرهم وعلى خصاصة عيشهم متسعا من الوقت يأخذون فيه ما يأخذون ويدعون ما يدعون. فإن أردت الإنصاف فضعهم حيث وضعت الدنيا أبناء الصين وأنت ترى الفرق بين الأمتين! •••

قال التلميذ: يعني الأستاذ الفرق بين المنتصرين والمنهزمين؟

قال المعري: نعم! وما يدريك لعل أهل نيبون يخدمون أهل الصين بهذه الهزيمة وهم لا يشعرون؟ لقد كان هؤلاء المنهزمون شتيتا من الخلق فجمعتهم الهزيمة فأصبحوا أمة تنضوي إلى لواء واحد، فإذا بالمنتصرين يخافونهم بعد خمس سنوات تجردوا فيها لاتخاذ الأهبة وتوحدوا أو كادوا، فكيف يكون شأنهم لو تجردوا لاتخاذ الأهبة متوحدين خمسين سنة لا خمس سنوات، ومن ذا الذي يهزمهم في المشرق أو المغرب لو تهيأ لهم الوقت كما تهيأ لأعدائهم المنتصرين؟ علم الله لولا أن أهل نيبون يخافونهم ويفزعون من غدهم لما عاجلوهم بالعدوان، وما أخالهم مع ذلك آمنين عقبى الأمور. •••

قال التلميذ: من يسمعك يا مولاي يحسبك من دعاة «الكومنتاج» أو من غلاة المتشيعين لإنجيل «سون ياتسين».

ولو كان أبناء نيبون قد أساءوا استقبالك لزعمت أن في نفسك أثارة من سوء ما استقبلوك، ولكنهم جمعوا لك المسلمين في عاصمتهم واستمعوا لك في معبدهم ومسجدهم، وصحبوك وبجلوك، ومللتهم ولم يملوك، فأعجب العجب أن تبغضهم هذه البغضاء وأن تألف الصينيين هذه الألفة.

فقاطعه الحكيم قائلا: لعلهم أساءوا من قبل هذه الحفاوة!

فابتدره التلميذ مستغربا: كيف أيها الحكيم؟ أيأبى مولاي الكرامة وهو كريم؟!

فأجاب المعري: نعم آباها إذا كانت تجارة وكنت أنا فيها سلعة من السلع المعروضة أو ذريعة من ذرائع الترويج والخديعة، هؤلاء الناس لم ينشئوا مسجدهم لله ولا للعبادة ولا للمسلمين ولا لأبي العلاء، ولكنهم أنشأوه للبيع والتجارة، وما نحن بالسلعة الرخيصة في أسواق التجار. •••

فقال التلميذ متسائلا: وحفاوة المسلمين في الصين ما شأنها وما شأن التجارة والكرامة فيها؟

قال أبو العلاء: تلك حفاوة قريب بقريب. وأظن المحتفين بنا هنا قد كانوا مسلمين منذ قرون!

ناپیژندل شوی مخ