وأشرف بالقور اليفاع لعلني
أرى نار ليلى أو يراني بصيرها
ثم قال نقلا عن ابن سيده: يعني كلبها؛ لأن الكلب من أحد العيون بصرا. انتهى.
قلت: وقد جاء في أمثالهم: «أبصر من كلب». وقول الناظم: «وفيه لغز قاله خبير»، يريد بذلك قول الحريري في المقامة الثانية والثلاثين في فتاوى فقيه العرب: «قال: أيستباح ماء الضرير؟ قال: نعم، ويجتنب ماء البصير»، فالمتبادر أن الضرير هو الأعمى وهو لا يستباح ماؤه الذي يملكه بدون علمه. ومراد الشيخ به: حرف الوادي، وكذلك المتبادر في البصير أنه ضد الأعمى، وماؤه إذا أخذ للوضوء باطلاعه لا يجتنب، وإنما أراد به الكلب. هكذا فسره الحريري نفسه في المقامة. (6) هكذا رواية البيت في نسختين من الأصل، ولم يظهر لي وجه تسمية العرب للكلب في نفيرهم بداعي الضمير أو داعي الضميرة كما يفهم من سياقه، فلعل الكلام محرف، وقد دخل البيت التذييل، وهو من علل الزيادة، ودخوله في الرجز مغتفر للمولدين. (7) قوله: داعي الكرم، إنما سموه بذلك على ما يظهر؛ لأن نباح الكلب يبشرهم بقدوم الضيف، ويرشده إلى منزلهم، فيكون سببا للكرم وداعيا إليه. وقد كان الرجل من العرب إذا ضل وتحير في الليل، فلم يدر أين البيوت، أخرج صوته على مثل النباح، فتسمعه الكلاب وتظنه كلبا، فتنبح، فيستدل بنباحها ويهتدي إلى المكان. وهو الذي تسميه العرب بالمستنبح. وأنشد أبو علي القالي في أماليه:
ومبد لي الشحناء بيني وبينه
دعوت وقد طال السرى فدعاني
يعني كلبا، ويريد نبحت له فنبح فاهتديت به، فكأنه دعاني بنباحه، وأنشد أبو علي أيضا:
ومستنبح بات الصدى يستتيهه
فتاه وجوز الليل مضطرب الكسر
رفعت له نارا ثقوبا زنادها
ناپیژندل شوی مخ