قلت: والذي قاله الشيخ من قراءة الجيلاني الأدب على التبريزي صحيح؛ ذكره ابن شاكر في ترجمة الجيلاني من «فوات الوفيات».
فصل في مبلغ علمه وذكائه
اتفق محبوه ومبغضوه على أنه كان وافر البضاعة من العلم، غزير المادة في الأدب، إماما فيه، حاذقا بالنحو والصرف، نسيج وحده في الذكاء والفهم وقوة الحافظة. أما اللغة وحفظ شواهدها وتقييد أوابدها، فقد كان فيها أعجوبة من العجائب. وحسبك أنهم إذا عددوا من رزقوا السعادة في أشياء، لم يأت بعدهم من نالها - عدوا أبا العلاء ممن تفرد بسعة الاطلاع على اللغة. وكلامه الذي أورده في رسالة الغفران في بيتي النمر بن تولب، وتغييره القوافي، وتنزيلها على سائر حروف المعجم خلا حرف الطاء - يدل على اطلاع كبير، وتمكن من اللغة والأدب، قل أن يتفق نظيره لشخص. وخلاصة ما ذكره أن خلفا الأحمر تذاكر يوما مع أصحابه في قوله النمر:
ألم بصحبتي وهم هجوع
خيال طارق من أم حصن
لها ما تشتهي عسلا مصفى
إذا شاءت وحوارى بسمن
فقال لهم: لو كان موضع أم حصن، أم حفص؛ ما كان يقول في البيت الثاني؟ فسكتوا، فقال: حوارى بلمص، يعني الفالوذج. والحوارى: الدقيق الأبيض وهو اللباب. فغير أبو العلاء قوافي البيتين على حروف المعجم، وربما أتى في الحرف بالقافيتين والثلاث، ولا يتفق هذا إلا لمن رزق حظا وافرا من الاطلاع. والمسألة مبسوطة في الرسالة، فارجع إليها إن شئت لتعلم صحة ما قلناه.
وذكر غير واحد من اللغويين أن أبا العلاء لما دخل بغداد، اعترضوا عليه في حلقة ابن المحسن، لقوله:
ويوشع رد يوحى بعض يوم
ناپیژندل شوی مخ