وافقه ثيو في سره. فقد كان التواري عن الأنظار أهم من قطع مسافة كبيرة. فشرطة الأمن الوطني لن تعرف أي اتجاه سلكوا ، ولا رقم السيارة أو اسم مالكها إلا إن كانوا بالفعل قد عثروا على جثة جاسبر. جلس في مقعد السائق ولم يبد رولف اعتراضا.
قال: «بوجود كل تلك المؤن في صندوق السيارة، من الأفضل أن نخفف الحمولة. بإمكان جوليان أن تركب، أما بقيتنا فسنسير.»
كانت البوابة والدرب أقرب مما توقع ثيو. كان الدرب الوعر يمتد بسلاسة لأعلى بمحاذاة طرف حقل غير محروث، من الواضح أنه بذر وترك حتى تنبت بذوره منذ فترة طويلة. كان الدرب منخفضا كالأخدود وانطبعت عليه آثار إطارات الجرارات الثقيلة؛ بينما كان الحز المرتفع الذي يتوسط تلك الآثار متوجا بعشب طويل كان يتمايل كهوائيات ضعيفة أمام أنوار مصابيح السيارة الأمامية. قاد ثيو السيارة ببطء وبعناية شديدة، وبجواره جلست جوليان، بينما سار الثلاثة الآخرون بجانبهم في صمت كظلال داكنة. عندما وصلوا إلى مجموعة الشجيرات، رأى أن تلك الغابة وفرت لهم مخبئا كثيفا أفضل مما توقع. لكن كان ثمة عقبة أخيرة. فقد كان يفصل بينهم وبين الدرب أخدود عميق عرضه أكثر من ستة أقدام.
طرق رولف على زجاج السيارة وقال: «توقف هنا للحظة.» وانطلق يعدو للأمام. ثم ما لبث أن عاد وقال: «يوجد معبر يبعد حوالي ثلاثين ياردة. يبدو أنه يؤدي إلى ما يشبه الفسحة.»
كان المدخل إلى الغابة عبارة عن معبر ضيق من جذوع الشجر المقطعة وكانت الأرض مغطاة بالعشب والحشائش. أراح ثيو أن رأى أنه يتسع لمرور السيارة، لكنه انتظر ريثما حمل رولف الكشاف وفحص جذوع الشجر ليتأكد من أنها لم تعطن. أشار بيده فقاد ثيو السيارة فوقه بغير صعوبة. نزلت السيارة من فوق المعبر برفق فأحاطتها أجمة من أشجار الزان التي كونت أغصانها العالية مظلة من الأوراق البرونزية تشابكت كأنها سقف منقوش. عندما نزل ثيو من السيارة رأى أنهم توقفوا وسط كومة من أوراق الأشجار المتساقطة الجافة وثمار الزان المفلوقة.
حاول رولف وثيو فك الإطار الأمامي بينما أمسكت ميريام بالكشاف. وقف لوك وجوليان معا يراقبانهم في صمت بينما أخرج رولف الإطار الاحتياطي والمرفاع ومفتاح فك العجلات. لكن فك الإطار كان أصعب مما توقع ثيو. فقد كانت البراغي مربوطة بإحكام شديد حتى إنه لم يستطع هو ولا رولف تحريكها.
تحرك ضوء الكشاف حركة غير منتظمة بينما كانت ميريام تحاول أن تعدل من وقفتها. قال رولف بنفاد صبر: «بحق الرب أمسكيه بإحكام. لا أستطيع رؤية ما أفعله. والعتمة شديدة.»
بعدها بثوان انطفأ الضوء.
لم تنتظر ميريام سؤال رولف، بل بادرت قائلة: «ليس معنا بطارية احتياطية. أنا آسفة. سنضطر للمكوث هنا حتى يحل الصباح.»
انتظر ثيو أن يثور رولف غضبا. إلا أنه لم يفعل. بل نهض قائلا بهدوء: «إذن، لا مانع من أن نأكل شيئا ونرتاح لما تبقى من تلك الليلة.»
ناپیژندل شوی مخ