بدا أن سؤاله زاد من توتر يول؛ فقد بدأت أصابع يده اليمنى لا إراديا تنقر سطح الطاولة. قال: «أوه، أنا بخير، أجل، بخير تماما، شكرا لك يا فارون. أنا أتدبر أموري جيدا. فأنا أخدم نفسي كما تعلم. أسكن في نزل قبالة طريق إيفلي لكني أتدبر أمري جيدا. وأقوم بكل شيء لنفسي. فصاحبة النزل امرأة صعبة المراس - أعني أن لديها مشكلاتها الخاصة - لكني لا أشكل عبئا عليها. لا أشكل عبئا على أحد.»
تساءل ثيو عما يخيفه؛ أيخشى مكالمة هامسة لشرطة الأمن الوطني لإبلاغهم بأن هناك مواطنا آخر قد صار عبئا على غيره؟ شعر أن حواسه بدأت تتيقظ بدرجة تفوق العادة؛ فقد كان يشم أثر الرائحة النفاذة الخفيفة للمطهر، ويرى قشيرات رغوة الصابون التي جفت على لحيته القصيرة وذقنه، ويلاحظ أن نصف البوصة من كمي قميصه البارزة من معطفه البالي كانت نظيفة لكنها غير مكوية. ثم خطر له أن بإمكانه أن يقول له: «إن لم تكن مرتاحا حيث تسكن، فهناك متسع في منزلي بشارع سانت جونز. فأنا أسكن وحدي الآن، وسيسرني أن أحظى ببعض الرفقة.»
لكنه اعترف لنفسه بحزم أن ذلك لن يسره، وأن العرض سيبدو فظا وفيه لطف مصطنع، وأن الرجل لن يستطيع التأقلم مع السلالم، تلك السلالم المريحة التي كان يتذرع بها لرفض واجباته الخيرية. هيلدا أيضا لم تكن ستستطيع التأقلم مع السلالم. لكن هيلدا ماتت.
كان يول يقول: «أنا آتي إلى هنا مرتين في الأسبوع فحسب. الاثنين والخميس. أنوب عن زميل لي. من الجيد أن يكون لدي شيء مفيد لأفعله، كما أنني أحب طابع الصمت هنا. فهو مختلف عن الصمت في أي مبنى آخر من مباني جامعة أكسفورد.»
خطر لثيو أنه ربما سيموت هنا بهدوء وهو جالس على تلك الطاولة. لن يجد مكانا أفضل. ثم تخيل العجوز وقد ترك هنا جالسا على الطاولة، وتخيل آخر حارس للمتحف وهو يوصد الباب، والأعوام اللانهائية من الصمت الذي لن يكسره شيء، وجسده الذي سيتحنط أو يتعفن أخيرا تحت أنظار تلك التماثيل الرخامية ذات الأعين الخاوية التي لا ترى.
الفصل الحادي عشر
الثلاثاء 9 فبراير 2021
اليوم رأيت زان للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات. لم أجد صعوبة في تحديد موعد معه، مع أن الوجه الذي ظهر على شاشة الهاتف المرئي لم يكن وجهه، بل وجه أحد معاونيه، أحد أفراد فرقة حرس الجرينادير برتبة رقيب. كان يحمي زان، ويطهو طعامه، ويقود سيارته، ويخدمه جماعة صغيرة من أفراد جيشه الخاص؛ حتى منذ البداية لم توظف أي سكرتيرات أو مساعدات شخصيات أو مدبرات منزل أو طاهيات في بلاط الحاكم. كنت أتساءل إذا ما كان سبب ذلك هو تجنب حتى أي إيعاز بفضيحة جنسية، أم أن نوع الولاء الذي كان يطلبه زان ولاء ذكوري بحت، قائم على أساس التسلسل القيادي، مطلق، لا تشوبه العواطف.
أرسل سيارة لتقلني. أخبرت فرد حرس الجرينادير أنني أفضل أن أذهب إلى لندن بسيارتي، لكنه لم يزد على أن قال بحزم غير صارم: «سيرسل لك الحاكم سيارة بسائق يا سيدي. سيكون أمام بابك في تمام التاسعة والنصف.»
بطريقة ما كنت قد توقعت أن يكون ذلك السائق هو جورج، الذي كان سائقي المعتاد عندما كنت مستشار زان. كنت أحب جورج. كان له وجه بشوش سمح، وأذنان ناتئتان، وفم واسع وأنف عريض أقعى. نادرا ما كان يتكلم، ولم يكن يتحدث قط إلا إذا ابتدأت أنا الحديث. أظن أن السائقين جميعهم يلتزمون بتلك القاعدة، لكن جورج كانت تشع منه روح من الألفة، وربما حتى الاستحسان - أو هكذا شعرت - جعلت رحلاتي بالسيارة معه فاصلا مريحا لا توتر فيه بين إحباطات اجتماعات المجلس وتعاسة البيت. أما ذلك السائق فكان أنحف جسدا وكان يبدو شديد الأناقة في زيه الموحد الذي يبدو أنه كان جديدا ولم تفصح عيناه التي التقت بعيني عن أي شيء، ولا حتى عن الجفاء.
ناپیژندل شوی مخ