أوقف السيارة على بعد بضع ياردات من ضفتها وترجل منها، ثم استدار لمساعدة ميريام على رفع جوليان من مقعدها. للحظة تشبثت به، وهي تتنفس بصعوبة، ثم تركته وابتسمت ومشت إلى حافة الماء وهي تستند بيدها إلى كتف ميريام. كان سطح البركة - فقد كانت أصغر من أن تكون بحيرة - مغطى بالأوراق الساقطة الخضراء والنباتات المائية فبدت كأنها امتداد للفرجة. تحت ذلك الغطاء الأخضر المتراقص كان سطح البركة لزجا كالدبس، ومحببا بالفقاعات الدقيقة التي كانت تتحرك ببطء وتلتحم أو تنقسم ثم تنفجر وتختفي. في الرقع التي لا تغطيها النباتات كان يرى انعكاس السماء بينما كانت الشبورة الصباحية تتبدد لينكشف ضوء الفجر المعتم. تحت تلك الصفحة اللامعة، في أعماق البحيرة الصفراء الباهتة، كانت فروع النباتات المائية والغصينات المتشابكة والأغصان المكسورة ترقد تحت طبقة من الطمي كأنها هياكل سفن غرقت منذ زمن طويل. على حافة البركة تجمعت كتل من القش الرطب على سطح الماء، وعلى مسافة كان هناك طائر غراء أسود صغير يعدو مسرعا في عجالة واضطراب وبجعة وحيدة تشق طريقها بجلال بين الحشائش. كانت البركة محاطة بأشجار الزان والدردار والقيقب التي نمت حتى كادت تبلغ حافة الماء، فبدت كخلفية براقة امتزج فيها الأخضر والأصفر والذهبي والبني الشاحب، لكنها مع ألوانها الخريفية عكست في ضوء الفجر شيئا من إشراق ونضارة الربيع. على الضفة المقابلة، كان هناك شجيرة تزينها الأوراق الصفراء، وكانت أفرعها وغصيناتها الدقيقة غير مرئية في ضوء الفجر فبدت كأنها حبيبات ذهبية صغيرة معلقة في الهواء.
تجولت جوليان بمحاذاة حافة البحيرة. ثم نادت قائلة : «الماء يبدو أصفى هنا والضفة متماسكة. المكان مناسب للاغتسال.»
انضما لها وجثا ثلاثتهم على ركبهم ووضعوا أذرعهم في البحيرة ونضحوا الماء البارد على وجوههم وشعورهم. بعث ذلك على السرور فجعلهم يضحكون. رأى ثيو أن يديه حركتا الماء فجعلتاه وحلا مخضرا. كان هذا الماء حتما غير آمن للشرب حتى إن غلي.
في طريقهم إلى السيارة، قال ثيو: «السؤال هو هل نتخلص من السيارة الآن أم لا. قد تكون هي أفضل مأوى يتسنى لنا الحصول عليه، لكنها ستلفت الأنظار، كما أن وقودها يوشك أن ينفد. على الأرجح لن تسير لأكثر من ميلين آخرين.»
كانت ميريام هي من أجابت. «تخلص منها.»
نظر إلى ساعة يده. كانت تشير إلى التاسعة إلا قليلا. خطر له أنه يمكنهم أن يستمعوا إلى نشرة الأخبار. على الأغلب ستكون تافهة ومتوقعة وغير مثيرة للاهتمام، لكن الاستماع إليها سيكون بمثابة لفتة توديعية قبل أن ينقطعوا تماما عن أخبار من سواهم. فاجأه أنه لم يفكر في المذياع من قبل، ولم يهتم بتشغيله خلال رحلتهم. فقد كان يقود السيارة بتوتر شديد كان من شأنه أن يجعل أي صوت غير مألوف لا يحتمل، حتى صوت الموسيقى. مد يده عبر النافذة المفتوحة وشغل المذياع. استمعوا بضجر إلى تفاصيل حالة الطقس، ومعلومات حول الطرق التي أغلقت رسميا أو التي لم تعد تخضع للصيانة، وإلى المشاكل المحلية البسيطة لعالم آخذ في التقلص.
كان يهم بإطفائه عندما تغيرت نبرة صوت مذيع النشرة لتصير أبطأ وأكثر تحذيرا. «تحذير. تستقل مجموعة صغيرة من المنشقين مكونة من رجل وامرأتين سيارة سيتزن زرقاء مسروقة بالقرب من حدود ويلز. ليلة أمس، أقدم الرجل الذي يعتقد أنه ثيودور فارون الأستاذ بجامعة أكسفورد، على الدخول عنوة إلى منزل خارج بلدة كينجتون، وقيد مالكيه وسرق سيارتهما. هذا وقد عثر على السيدة ديزي كوكس زوجة المالك هذا الصباح مقيدة في سريرها ومتوفاة. هذا الرجل مطلوب حاليا بتهمة ارتكاب جريمة قتل. وهو مسلح بمسدس. على كل من يرى السيارة أو الأشخاص الثلاثة عدم الاقتراب منهم والاتصال على الفور بشرطة الأمن الوطني. رقم لوحة ترخيص السيارة هي
MOA 694 . مرة أخرى الرقم هو
MOA 694 . طلب مني أن أكرر التحذير. الرجل مسلح وخطير. لا تقتربوا منه.» لم يدرك ثيو أنه أطفأ الجهاز. لم يشعر إلا بتسارع نبضات قلبه والبؤس المريع الذي انصب عليه وغلفه، بؤس يكاد يكون ملموسا كمرض مميت، وبهلع واشمئزاز من نفسه أثقلاه حتى كاد يخر على ركبتيه. قال في نفسه: إن كان ذلك هو الشعور بالذنب فأنا لا أقوى على تحمله. لن أتحمله.
سمع صوت ميريام. «إذن فقد وصل رولف إلى الحاكم. فهم يعرفون بأمر مهاجمة الأوميجيين لنا وأنه تبقى منا ثلاثة فقط. لكن ثمة أمر مطمئن على كل حال. فهم ما زالوا لا يعرفون أن الولادة وشيكة. لا يستطيع رولف إخبارهم بالتاريخ المتوقع للولادة. فهو لا يعرف. ويظن أن جوليان لا يزال أمامها شهر. ما كان الحاكم سيطلب قط من الناس أن يحذروا السيارة إن كان يعتقد أن ثمة فرصة لأن يجدوا بها رضيعا.»
ناپیژندل شوی مخ