A Look at the Concept of Terrorism and the Islamic Stance
نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام
خپرندوی
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
ژانرونه
[تقديم]
تقديم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. . . أما بعد:
فإن ما حدث ويحدث في العالم من ظواهر وتغيرات اجتماعية، ومستجدات وأحداث، تحتاج من المجتمع البشري إلى دراسة وتمحيص لتمييز الغث من السمين.
وهذه الدراسة يجب أن تكون علمية تعتمد على الأسس والأساليب والمعايير العلمية لتحقيق ذلك المستوى من التمييز، فلا يكون النظر إليها نظرا مجددا يدفعه الحماسة أو المدافعة عن وجهة النظر، وهذا بلا شك يحتاج إلى روية وتجرد وعدل في جانب الباحث، وإلى تحديد وتحرير وتعريف علمي دقيق لموضوع الدرس والمناقشة.
وفي هذا الإطار، فإن الإرهاب - بمفهوم الإفساد في الأرض، ونشر الرعب والخوف السلبي بشتى صوره وأشكاله - من الأحداث التي رزء بها إنسان هذا الكون، وهو بهذا المفهوم قديم، نجد الإشارة إليه في الحوار الرباني مع الملائكة: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] .
فأشارت الملائكة إلى الفساد في الأرض وسفك الدماء وهما من الإرهاب في مفهومه السلبي، ولكن العليم الخبير قال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] .
فالإرهاب بذلك المفهوم ليس له وطن ولا دين، وليس حديث النشأة، ومعاناة الإنسان منه ليست للتو، إنما هي سلسلة وتاريخ طويل من الأحداث.
لذا جاءت معالجة هذا الأمر في الديانات السماوية وخاتمتها ديننا الإسلامي الذي أوفى هذا الموضوع حقه في المعالجة الوقائية والعلاجية.
1 / 7
إلا أنه عندما حصلت النكسة الفكرية في الفكر الإنساني في بعض المجتمعات البشرية - وذلك بفصل الدين عن الدولة - تأثرت بذلك سلبا كثير من الأحكام والموجهات والضوابط والمعايير المرتبطة بالدين وخاصة تلك التي تضبط سلوك الإنسان وتصرفاته.
ونظرا إلى اختلاف المصادر الفكرية والبيئات الاجتماعية والموروثات الأدبية، فقد اختلفت نظرة المجتمعات البشرية إلى تلك الأحكام والمسائل، ومنها الإرهاب الذي عانى منه الإنسان قديما، وازداد عناؤه منه حديثا، فكان تكثيف التوجه والاهتمام بمعالجته ومناقشته في المؤسسات الحكومية والهيئات والمنظمات الدولية، وفي المؤسسات العلمية والجامعات ومراكز البحث العلمي.
وفي هذا السياق تلقيت دعوة للمشاركة في المؤتمر الذي نظمه كرسي الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية في كلية الدراسات الشرقية في جامعة لندن خلال المدة ٢٠- ٢١ شعبان ١٤٢٤ هـ الموافق له ١٦-١٧ أكتوبر ٢٠٠٣ م. فأعددت هذا البحث وعنوانه (وجهة نظر في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام) وقسمته أربعة فصول.
وبعد استكمال البحث رأيت أن أسمه ب (نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام) ليتفق مع مضمون مادة البحث.
ولما لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية التابع لمؤسسة الملك فيصل الخيرية من جهود مباركة في مجال البحث والنشر العلمي، فقد تولى هذا البحث واعتنى بنشره. مؤملا أن يجد فيه القارئ ما يفيد، وراجيا أن أتلقى ما يسهم في تطويره.
نسأل الله أن يحفظنا جميعا بحفظه، وأن يحفظ ولاة أمرنا وعلماءنا، وأن يديم على بلادنا الأمن والاستقرار، وأن يرد كيد الكائدين ومكر الماكرين في نحورهم.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
عبد الرحمن بن سليمان المطرودي
1 / 8
[الفصل الأول مفهوم الإرهاب وتعريفه]
[توطئة]
الفصل الأول
مفهوم الإرهاب وتعريفه توطئة: المنهج العلمي يقتضي عند تعريف أي لفظ عام يستخدم في الدلالة على عمل أو فعل معين، أن يكون ذلك التعريف معبرا عن حقيقة ذلك الفعل، يتمثل فيه تحديده ووصفه، فلا يخرج منه ما يجب أن يكون فيه، ولا يدخل فيه ما ليس منه، بحيث لو أسقط ذلك المصطلح أو اللفظ المستخدم على ذلك الفعل، لأمكن تحديده بشكل مقيس قياسا علميا يطابق الواقع ويدل عليه، وهذا مما يمكن من التعامل معه وفقا لأحكامه وقوانينه، وتحديد أطره وأبعاده ودراستها والتعامل معها بما يناسبها.
وحيث إن هذا البحث يتحدث عن موضوع شائك معقد وهو الإرهاب، فلا بد من تحديده وتعريفه بشكل دقيق حتى لا تحمل المصطلحات معاني لا تدخل ضمن نطاقها.
وتحقيقا لهذا، فقد حاول هذا البحث - من خلال قراءات متعددة في موضوعه - تحديد بعض الألفاظ والتعريفات المتعلقة بها مع الربط بين الواقع وتلك المعاني والتعريفات المتعلقة بموضوع الإرهاب، وقد تبين وجود مفارقات بين واقع الأعمال التي توصف بالإرهاب، والمعاني التي تعنيها كلمة إرهاب. وقد تجلت المفارقات في الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة إرهاب؛ حيث جاء تفسيرها الدال عليه مضمون تلك الآيات لا يلتقي مع استخدام كلمة إرهاب في المصطلحات الحديثة. وترجع تلك المفارقات إلى اعتبارات كثيرة، منها:
١ - إن وصف العمل نسبي، فما يراه مجتمع، أو تجيزه ثقافة، قد لا يكون كذلك في عرف مجتمع آخر، والعكس صحيح، ولهذا فإن المصالح العامة للمجتمعات والدول تتأثر بهذا سلبا وإيجابا، فما تراه دولة حقا مشروعا وسائغا عمله تحقيقا لمصالحها قد لا تراه كذلك دولة أو مجتمع آخر.
٢ - إن المقاييس المادية للخير والشر تختلف في ثقافات الأمم وحساباتها بقدر ما ينالها
1 / 9
من نفع أو ضرر، أو بقدر ما يؤثر في حياتها من أمور وحوادث سلبا أو إيجابا. والموقف من أفعال الناس من المنظور المادي يتأثر بما يطرأ على العناصر المادية من سلب أو إيجاب. أما في المنظور المعنوي، فهذا متعلق بالحكم الشرعي.
٣ - إن الخلط بين المفاهيم والمقاصد النفعية قاد بعض الباحثين إلى ربط بعض المصطلحات بالمفهوم العام للإرهاب، فلا يكون حديث عن الإرهاب إلا ويأتي الحديث عن التطرف، والغلو، والأصولية، والعنف، إما جهلا بحقيقة تلك المصطلحات والفروق بينها، أو بقصد الربط في المقاصد أو في المعتقدات مع عدم وجوده، بل إن البعض يجعل بعض تلك المصطلحات مترادفة، وهذا بلا شك ربط غير وجيه لاختلاف المفاهيم والدلالات والمقاصد لكل منها.
وهذا الخلط شوه المفهوم الحقيقي لكل واحد منها، وعتم على علاقته بالآخر، فاختلطت المعاني وتداخلت، فلا يعلم أيهما السابق أو اللاحق، ولا يعلم أيهما السبب وأيهما النتيجة، بل إن البعض من الناس قد يدافع عن بعض تلك المصطلحات؛ لأن دلالتها في لغته وثقافته أو مفهومه أو في رأيه سليمة، ونظرا إلى عدم وضوح الصورة والتداخل في المفاهيم والاستعمالات جاءت مواقف بعض المجتمعات غير واضحة وغير ثابتة، وخاصة عند عامة الناس وعند وسائل الإعلام، فاتهمت مجتمعات بالأصولية وأخرى بالتطرف، واتهمت دول بإيواء الأصوليين ودعم الأصولية، وهي في ثقافة ذلك المجتمع وعرفه لا علاقة لها بالمفهوم السلبي عند الآخرين.
ولهذا ضاعت الحقائق في خضم الاختلاف في المفاهيم والمقاصد لعدم تحديد المصطلحات وقصر استخدامها على مرادها.
٤ - إن استخدام مصطلح الإرهاب بموجب مادة هذه الكلمة اللغوية للدلالة على عمل إجرامي فيه تقليل من الجريمة وأبعادها، إذ إن معنى الإرهاب في قواميس اللغة لا يمثل الوصف الحقيقي لحجم الجرم ومستوى الجريمة، فهو يقتصر على معنى الخوف والتخويف وما اشتق منه، وهذا فيه عدم مطابقة للواقع من جانبه المادي والقانوني؛ إذ قد يكون المفهوم اللغوي للإرهاب نتيجة لذلك الفعل فقط، ولكنه لا يمثله من حيث
1 / 10
وصف الجرم والدلالة عليه.
٥ - جاءت بعض التعريفات الاصطلاحية متأثرة بالمعاني اللغوية، والبعض الآخر جاء ليمثل ما يراه المؤلف أو الكاتب دون التفات إلى دلالة اللفظ، ومما تجدر الإشارة إليه أن كل مؤلف أو كاتب سيتأثر بثقافته وموروثة الحضاري، ولهذا قد يظهر على بعض تلك التعريفات المنحى الشخصي أو الموروث الثقافي.
وفي الجملة، فإن جوهر مشكلة الخلط في مفهوم الإرهاب يؤثر في الرؤى حول ما يعد نشاطا يستوجب الإدانة، وما يعد كفاحا يستحق الدعم والتشجيع، فأصبحت كلمة الإرهاب من هذه الزاوية محملة بكم هائل من الخلط والتشويش وعدم الوضوح.
وقد نتج عن ذلك الخلط والتشويش التداخل وعدم الفصل بين "الأداة" و"الوظيفة" وبين "الوسيلة " و" الهدف ". ولهذا نجد كما هائلا من التعريفات والكتابات والتحليلات التي حاولت تعريف مفهوم الإرهاب وتحديده، ولكن نجد بعضها يركز على الوسيلة، وأخرى على الأداة، وتارة على الهدف أو الوظيفة.
[تعريف الإرهاب]
[التعريف اللغوي]
تعريف الإرهاب: التعريف اللغوي: تبين لنا في التقديم السابق أن الاختلافات تدور حول التعريف الاصطلاحي للإرهاب- كما سيأتي تفصيل ذلك- أما التعريف اللغوي، فمن المعروف أنه يرتبط بميكنة تركيب الكلمة وبنائها وحروفها، ولهذا فإن التعريف اللغوي للإرهاب يكاد يكون واحدا، وإن توسعت بعض اللغات في المترادفات أو المشتقات أو الاستعمال للمعنى العام تارة، أو للمفهوم الخاص تارة أخرى، ولا شك أن الاختلاف والتضييق أو التوسع في التعريف اللغوي يلقي بظلاله على المعنى الاصطلاحي.
فالإرهاب في اللغة العربية: رهب: كعلم، رهبة ورهبا، بالضم وبالفتح وبالتحريك، ورهبانا، بالضم ويحرك: خاف. وأرهبه واسترهبه: أخافه (١) .
والراهب: واحد رهبان في الديانة المسيحية. وهو اسم فاعل من رهب: إذا خاف،
_________
(١) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ط٥، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤١٦ هـ/ ١٩٩٦م)، ص ١١٨.
1 / 11
أي: الخوف من الله ﷾.
وعليه؛ فالإرهاب في اللغة هو الإفزاع والإخافة، يقال: أرهبه، ورهبه أي أخافه (١) .
قال عنترة:
لولا الذي ترهب الأملاك قدرته ... جعلت من جوادي قبة الفلك
ويقول الأعشى:
وبلدة يرهب الجواب دلجتها ... حتى تراه عليها يبتغي الشيعا
قال أبو القاسم الجنيد، الخوف: توقع العقوبة، وقيل: الخوف: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف، وقيل: الخوف: هروب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.
وبالنظر فيما سبق من معاني مادة "رهب " وبعض ما تفرع عنها يتضح أنها تعني: الخوف، وهو ما يعني الإمعان في الهرب من المكروه، وقد يكون هذا الهرب بالكف عن فعل ما ينتج عنه مكروه أو ببذل الأسباب التي تمنع حدوثه، ومنه إمعان الإنسان في العبادة والزهد في الدنيا خوفا من الله وطمعا في رضاه. وأما أرهب، فتعني: قصد التخويف والإفزاع والترويع، من قوة تفوق قوة ذات المخوف أو المروع، فهو حالة من تسليط عناصر خارجية تتسبب في ضعف داخلي يعتري الإنسان، فيجبره على التخلي عن شيء من اختصاصه، أو عن شيء يحبه.
ولقد أقر مجمع اللغة العربية في القاهرة استخدام كلمة الإرهاب بوصفه مصطلحا حديثا في اللغة العربية أساسه (رهب) بمعنى خاف، وأوضح المجمع: (أن الإرهابيين وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية) (٢) .
ومعنى الإرهاب في اللغات الأخرى لا يبعد عن معناه في اللغة العربية؛ ففي اللغة الإنجليزية مثلا كلمة Terrorism التي تعني الإرهاب، وهي مشتقة من كلمة Terror أي تخويف أو Terrorize وكلها تعني الخوف ومشتقاته.
_________
(١) أبو الفضل ابن منظور، لسان العرب (بيروت: دار بيروت للطباعة، ١٩٥٥ م)، ج ١، ص ٤٣٦؛ وإسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح.
(٢) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط (القاهرة: مجمع اللغة العربية)، ص ٣٩٠.
1 / 12
وعرف قاموس أكسفورد الإرهاب بأنه: (استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أهداف سياسية) .
وعرفه قاموس روبير الفرنسي بأنه: (الاستعمال المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي؛ مثل الاستيلاء، أو المحافظة على السلطة، أو ممارسة السلطة. . .) .
وبهذا يتبين أن الإرهاب يعني: خلق حالة من الخوف عند الإنسان، سواء كان الفعل موجها إليه مباشرة أو موجها إلى غيره، ولكنه يتأثر به.
[التعريف الاصطلاحي]
التعريف الاصطلاحي: التعريف الاصطلاحي للإرهاب هو محل الاختلاف وتباين الآراء ووجهات النظر، وذلك للاعتبارات التي سبق ذكرها، ولاعتبارات تاريخية، ولاختلاف الأهداف والتوجهات وسياسات الدول ومصالحها، تلك التي أدت إلى الاختلاف والتباين على أرض الواقع، فكثرت وتنوعت التعريفات إلى الدرجة التي وجد معها الباحثون في مجال الإرهاب أن عدد التعريفات الاصطلاحية التي ظهرت في المؤلفات التي اهتمت بظاهرة الإرهاب تزيد عن مائة تعريف، وفيها تفاوت وتباين وزيادة واتفاق.
" فالبعض يركز في تعريف الإرهاب على " الأسلوب " أو "الطريقة" فيرون أن الإرهاب ليس فلسفة ولا حركة، وإنما أسلوب أو طريقة لغرض تحقيق طموح سياسي لجماعة منعزلة ومحبطة، تدرك أن لا أمل لها في الوصول إلى ما تريده إلا عن طريق تخويف الأغلبية ومؤسساتها عن طريق إشاعة الرعب والتضليل " (١) بينما يركز آخرون على الأهداف أو الوسائل أو الأسباب. وهكذا كل يركز على ما يدخل في نطاق اهتمامه.
ورغم الصعوبة القائمة في التعريف الاصطلاحي للإرهاب، فإن الباحثين ما زالوا يتلمسون طريقهم للوصول إلى تعريف يتفق عليه، ويكون وسيلة لمعالجة جماعية.
وفيما يلي سأذكر بعض التعريفات الاصطلاحية للإرهاب، أملا في أن يسدد بعضها بعضا، فما ينقص في تعريف تكملة التعريفات الأخرى. فضلا عن أن تعدد تلك
_________
(١) محمد مؤنس محيي الدين، الإرهاب في القانون الجنائي، دراسة قانونية مقارنة على المستويين الوطني والدولي (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ١٩٨١ م)، ص ٣٩٠.
1 / 13
التعريفات يدل على الاهتمام الذي وجه إلى هذه الظاهرة في العصر الحديث، حيث ابتليت بها كثير من المجتمعات الإنسانية، وفيما يأتي أبرز تلك التعريفات:
- عرفه عبد الستار الطويلة:
"محاولة فرد أو مجموعة من الأفراد أو الجماعات، فرض رأي أو فكر أو مذهب أو دين أو موقف معين من قضية من القضايا، بالقوة والأساليب العنيفة، على أناس أو شعوب أو دول، بدلا من اللجوء إلى الحوار والوسائل المشروعة الحضارية، وهذه الجماعات أو الأفراد تحاول فرض هذه الأفكار بالقوة لأنها تعتبر نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر" (١) .
- وعرفت الموسوعة السياسية الإرهاب بأنه:
"استخدام العنف- غير القانوني- أو التهديد به أو بأشكاله المختلفة؛ كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف وغيره بغية تحقيق هدف سياسي معين. . . وبشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية" (٢) .
- وعرفه حسين الشريف:
"منهج أو نظام، تحاول من خلاله مجموعة منظمة، أو طرف معين، جذب الانتباه إلى أهدافها، أو تجبر الطرف الآخر بتقديم تنازلات وفاء بأهدافها، بواسطة الاستخدام المنظم والمقصود للعنف " (٣) .
(والإرهابي النمطي هو الشخص المدرب من أجل تنفيذ أعمال العنف المقررة بواسطة المنظمة أو الجماعة أو الجهة التي يتبعها، بحيث إنه في حال القبض على هذا النوع من الإرهابيين النمطيين، فإنهم يتحدثون أثناء محاكمتهم ليس من أجل تبرئة أنفسهم، بل لمحاولة نشر الأفكار السياسية لمنظمتهم، ويعدون ذلك هدفا من أهداف إرهابهم) .
- وعرف المقنن المصري الإرهاب كما يأتي:
_________
(١) عبد الستار الطويلة، أمراء الإرهاب، كتاب اليوم، العدد ٣٤٢ (القاهرة: دار أخبار اليوم، ١٩٩٣ م)، ص ٢٥.
(٢) عبد الوهاب الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة، الجزء الأول (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٨٥ م) .
(٣) حسين شريف، الإرهاب الدولي وانعكاساته على الشرق الأوسط خلال أربعين قرنا (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٧ م)، ج١، ص ٢٧.
1 / 14
نصت المادة (٨٦ع) المضافة إلى القانون ٩٧ لسنة ١٩٩٢ م على ما يأتي: "يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو الترويع، يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي، فردي أو جماعي، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمباني، أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح " (١) .
- وجاء تعريف الإرهاب في نظام مجلس الشعب المصري كما يأتي:
" أي فعل يصدر من فرد أو مجموعة أفراد ضد فرد أو مجموعة أو ضد المجتمع لأغراض سياسية، أو بصورة أكثر تحديدا، هو استعمال العنف بأشكاله المادية وغير المادية للتأثير على الأفراد أو المجموعات أو الحكومات، وخلق مناخ من الاضطرابات وعدم الأمن بغية تحقيق هدف معين، لكنه وبصفة عامة يتضمن تأثيرا على المعتقدات أو القيم أو الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة التي تم التوافق عليها في الدولة، والتي تمثل مصلحة قومية عليا" (٢) .
- وعرفه صالح أكرم في بحث قدمه إلى مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي عقد في تونس عام ١٩٨٦ م وعنوانه " تحديد أفضل الوسائل والأساليب لمكافحة الإرهاب " بأنه "عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعا من القهر للآخرين، بغية تحقيق غاية معينة" (٣) .
- وعرفه تركي ظاهر بأنه:
"الرعب الذي يلجأ إليه مجموعة أو فرد، كالقتل والتخريب" (٤) .
- وعرفه أحمد طه خلف الله بأنه:
" تجاوز مرحلة التطرف إلى مرحلة أخرى تنطوي على فرض الرأي أو المعتقدات بالقوة، أو بمعنى آخر فإنه إذا كان التطرف يقوم على العنف الفكري فإن الإرهاب
_________
(١) محمود صالح العادلي، الإرهاب والعقاب (القاهرة: دار النهضة العربية، ١٩٩٣ م)، ص ٢٩.
(٢) حسين شريف، مرجع سابق، ص ٣٣.
(٣) صالح أكرم، " تحديد أفضل الوسائل والأسباب لمكافحة الإرهاب "، بحث مقدم إلى مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي عقد في تونس عام ١٩٨٦ م.
(٤) تركي ظاهر، الإرهاب العالمي (بيروت: دار حسام، ١٩٩١ م)، ص ١٠، ١١.
1 / 15
يعتمد على العنف المادي، ومن وجهة نظر جماعات الإرهاب فإن كل شيء في المجتمع باطل ويجب تغييره، وأنه لا سبيل لهذا التغيير إلا بقوة السلاح وممارسة الإرهاب في المجتمع " (١) .
- وعرفه المجمع الفقهي الإسلامي بأنه:
"العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان: دينه ودمه وعقله وماله وعرضه "، كما أكد العلماء أن تعريف الإرهاب "يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد". . . ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر (٢) .
- وعرفه أحمد جلال عز الدين بأنه: "عنف منظم ومتصل بقصد تحقيق أهداف سياسية" (٣) .
- أما محمد الحفناوي، فيرى أنه "إجبار الآخرين من خلال الترويع والتهديد بالتعنيف الجسدي أو القهر الفكري لاتخاذ موقف إيجابي يجافي الحق الإنساني ويلغيه أمام فكر الآخرين ومعتقداتهم، وأسلوبه المغالاة الشديدة وإلغاء إرادة الآخرين ومصادرة حقوقهم " (٤) .
- ونقل عادل القيار أن الكاتب الفرنسي (جان بيار ديرينيك) عرفه بقوله: إن الإرهاب يرتكز على الاستعمال المطلق للعنف، ببث الرعب باعتباره وسيلة عمل عشوائية وعاجزة وبالتالي عقيمة، نظرا إلى أنها تهدف إلى القضاء العشوائي على الآخرين الذين لا يملكون عندئذ استعمال نفس السلاح، أي العنف المضاد، وبالتالي الإرهاب المعاكس، ثم الوصول إلى العقم بأبسط وأوضح معانيه (٥) .
- وأما الكاتب (جان سرفيه) Jean servier فقد عرف الإرهاب: بكونه سلوكا يجمع في طياته أعمال العنف المرتكبة من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد، ضد ضحايا يتم اختيارهم عشوائيا بهدف تأكيد قوة معينة وإرادة خفية ببثها التخويف والرعب الذي ما يلبث أن ينتشر بسرعة وتصيب عدواه كافة أصناف المجتمعات (٦) .
وفي هذا التعريف والذي سبقه إشارة إلى أن الإرهاب يولد إرهابا مماثلا، مما يجعله
_________
(١) أحمد طه خلف الله، الإرهاب: أسبابه، وأخطاره، وعلاجه (القاهرة: مطبعة السلام، ١٩٩٥ م)، ص ١٤.
(٢) زكي علي أبو غضة، الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإسلام (المنصورة، مصر: دار الوفاء للطباعة والنشر، ٢٠٠٢ م)، ص ٣٧.
(٣) أحمد جلال عز الدين، الإرهاب والعنف السياسي (القاهرة: دار الحرية، ١٩٨٩ م)، ص ٤٩.
(٤) محمد حسن الحفناوي، الإرهاب والشباب، " سلسلة الإرهاب والتطرف في فكر المثقفين " مقال رقم ٩١، الأهرام، قضايا وآراء ١٩/ ١١ م، ص ٨.
(٥) عادل القيار، " دراسة عن الإرهاب مفهومه وأسبابه " جريدة البيان، ١٣/ ٤/ ١٩٩٨ م.
(٦) عادل القيار، المرجع السابق.
1 / 16
سهل الانتشار، فتتغلغل عدواه وتتفشى جراثيمه في كافة المجتمعات، أي إن هذا التعريف تحدث عن الربط بين الإرهاب والأسباب التي تدفع إليه.
- وفي قاموس أكسفور نجد كلمة إرهاب Terrorism تعني سياسة أو أسلوب يعد لإرهاب المناوئين أو المعارضين لحكومة ما وإفزاعهم. فالإرهابي Terrorist هو الشخص الذي يحاول أن يدعم آراءه بالإكراه أو التهديد أو الترويع (١) .
- وفي معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية يعني الإرهاب:
"بث الرعب الذي يثير الجسم أو العقل، أي الطريقة التي تحاول بها جماعة منظمة أو حزب أن يحقق أهدافه عن طريق استخدام العنف.
وتوجه الأعمال الإرهابية ضد الأشخاص، سواء كانوا أفرادا أو ممثلين للسلطة، ممن يعارضون أهداف هذه الجماعة" (٢) .
- وعرفه (جونز برج) Ginsburg بأنه "الاستعمال العمدي للوسائل القادرة على إحداث خطر عام يهدد الحياة أو السلامة الجسدية أو الصحية أو الأموال العامة" (٣) .
- كما عرفه (سوتيل) بأنه "العمل الإجرامي المقترف عن طريق الرعب أو العنف، أو الفزع الشديد من أجل تحقيق هدف محدد" (٤) .
- ونظر (نومي جال ارو) "Noemi Gal-or" إلى الإرهاب على أنه " طريقة عنيفة أو أسلوب عنيف للمعارضة السياسية، وهو يتكون من العنف والتهديد، وقد يمارس الإرهاب ضد أبرياء أو ضد أهداف لها ارتباط مباشر بالقضية التي يعمل من أجلها الإرهابي " (٥) .
- ويرى إريك موريس Erik Morris أن الإرهاب استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير عادي أو غير مألوف لتحقيق غايات سياسية، وأفعال الإرهاب عادة ما تكون رمزية لتحقيق تأثير نفسي أكثر منه تأثير مادي.
- أما (جنكيز) Jenkins فيعرف الإرهاب بأنه "التهديد بالعنف أو الأعمال الفردية للعنف والذي يهدف أولا إلى إشاعة الخوف والرعب " (٦) .
_________
(١) William little etal، The Shorter Oxford English Dictionary (london: Oxford University press، ١٩٦٧) p. ٢١٥٥.
(٢) أحمد زكي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (بيروت: مكتبة لبنان، ١٩٧٧ م)، ص ٤٢٣.
(٣) عبد العزيز مخيمر عبد الهادي، الإرهاب الدولي (القاهرة: دار النهضة العربية، ١٩٨٦ م)، ص ٢٤.
(٤) محمد تاج الدين الحسيني، مساهمة في فهم ظاهرة الإرهاب الدولي، القاهرة ١٩٩٠ م، ص ٢٣.
(٥) (Noemi Gal – or، International Cooperation to Suppress Terrorism (New York: st. Martin`n press، ١٩٨٥) P. ٢.
(٦) Brian Jenkins، International Terrorism: A new mode of Conflict (los Anglos: Crescen Publication، ١٩٧٥) P. ١.
1 / 17
- أما توماس ثورنتون فيرى بأنه "فعل رمزي يتم لإحداث تأثير سياسي غير معتاد، مستلزما استعمال العنف أو التهديد به " (١) .
- أما الإرهاب عند الأمم المتحدة، فيقصد به: أعمال العنف الخطيرة التي تصدر من فرد أو جماعة بقصد تهديد الأشخاص أو التسبب في إصابتهم أو موتهم، سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو المواقع السكنية أو الحكومية أو الدبلوماسية أو وسائل النقل والمواصلات، وضد أفراد الجمهور العام دون تمييز، أو الممتلكات، أو تدمير وسائل النقل والمواصلات بهدف إفساد علاقات الود والصداقة بين الدول، أو بين مواطني الدول المختلفة، أو ابتزاز أو تنازلات معينة من الدول في أي صورة كانت. لذلك فإن التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في الارتكاب أو التحريض على ارتكاب الجرائم يشكل جريمة الإرهاب الدولي " (٢) .
[التعريف الأمريكي للإرهاب]
- التعريف الأمريكي للإرهاب: ورد في التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر سنة ٢٠٠١ م أن الإرهاب يعني:
"العنف المتعمد ذو الدوافع السياسية، والذي يرتكب ضد غير المقاتلين، وعادة بغية التأثير على الجمهور، حيث إن غير المقاتلين هم المدنيون، إلى جانب العسكريين غير المسلحين، أو الذين هم في غير مهماتهم وقت تعرضهم للحادثة الإرهابية، أو في الأوقات التي لا توجد فيها حالة حرب أو عداء. أما الإرهاب الدولي، فهو الذي يشترك فيه مواطنون، أو يتم على أرض أكثر من دول واحدة" (٣) (كما أوضح هذا التقرير أنه ليس ثمة تعريف واضح للإرهاب حظي بموافقة عالمية) .
وباستعراض التعريفات السابقة للإرهاب يتبين أن القاسم المشترك بينها هو استخدام العنف والقوة والغدر؛ حيث إن الجميع يتفق على أن الإرهاب هو الاستعمال المطلق للعنف والقوة تجاه المدنيين أو الأهداف المدنية، أو العسكريين أو الأهداف العسكرية في غير حال الحرب المعلنة بين طرفين بهدف بث الرعب دون إنذار سابق، وفي أغلب
_________
(١) Thomas Perry Thornton، "Terror as a Weapon of political Agita – tion" Internal War: problems and Approaches، ed Hary Eckstein (New York: Free Press of Glencoe، ١٩٧٠) P. ٧٣.
(٢) نبيل لوقا بباوي، الإرهاب صناعة غير إسلامية (القاهرة: دار البباوي للنشر، ٢٠٠١ م)، ص ٥٨.
(٣) طه عبد العليم طه، "خطيئة التعريف الأمريكي للإرهاب"، جريدة الأهرام، ٢٨/ ٢/ ٢٠٠٢ م (محلق الجمعة)، ص ٣٦.
1 / 18
الحالات نجد أن هذا العنف وسيلة عقيمة وعشوائية وعاجزة عن تحقيق أهدافها، كما أن تلك التعريفات تبين أن الإرهاب يقوم على فكر وتنظير إرهابي يجيز للمنفذين ما يفعلون؛ بل قد يحبذهم فيه ويدفعهم إليه.
ولاستكمال صورة تعريف الإرهاب وما يسببه، فإن هناك ثلاثة عناصر من المهم معرفتها؛ وهي: فكر الإرهاب، وإرهاب الفكر، والأعمال الإرهابية، ذلك أن هناك من يخلط بين تلك المفاهيم خلطا أثر في التشخيص ووصف العلاج ونوعه وطريقته.
فكر الإرهاب: هو ذلك الفكر المعتل في تصوراته وتفسيراته ومنهاج تحليله وعمله، ويبيح لمن يتبناه استخدم كل وسيلة لتحقيق مقاصده ومآربه.
إرهاب الفكر: وهو حالة من فرض الفكر الإرهابي إما بالاستدراج والخداع، وأحيانا بالقوة أو بأي أسلوب آخر من أساليب تطويع الأفكار وتغييرها، وسواء تم هذا التغيير بطريقة تدريجية، أم تم بطريقة سريعة، وذلك في بعض الحالات التي لا تحتمل التأجيل والانتظار.
وهذا هو الجانب التنفيذي للفكر الإرهابي في نشره، وحشد الأتباع الذين يمكن استخدامهم في أعمال إرهابية.
أعمال الإرهاب: ويقصد بها مجموعة المظاهر والوسائل والأدوات التي تستخدم في أعمال العنف التي يبيحها ويتبناها الفكر الإرهابي لتحقيق مقاصده العدوانية.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام حرص الحركات الإرهابية على الفصل بين المنفذين وجهات التخطيط، ومنظري الفكر الإرهابي في تلك الحركات؛ حتى تضمن تلك الحركات استمرار السرية في أعمالها، فلا يكشف شيء منها عندما يقع أحد منفذي العمليات الإرهابية في يد الجهات الأمنية، فلا يكون لديه معلومات يستطيع الإدلاء بها عن المجموعات الأخرى، أو حتى عن الخطط المستقبلة لهذه الحركات.
أما تعريف الإرهاب وفق مادته الواردة في القرآن الكريم، فسيأتي بيانه عند الحديث عن موقف الإسلام من الإرهاب.
1 / 19
[الفصل الثاني الإرهاب في المجتمع البشري جذوره ونشأته]
[نشأة الإرهاب]
الفصل الثاني
الإرهاب في المجتمع البشري، جذوره ونشأته نشأة الإرهاب: يرى كثير من الباحثين والمؤرخين أن الإرهاب ظاهرة قديمة قدم العلاقات الإنسانية على وجه الأرض، فهي ترتبط بوجود علاقات اجتماعية بين بني البشر، وترتبط بوجود الصراع بين الحق والباطل وبن الخير والشر، وتزداد وتنقص حسب اتساع دائرة العلاقات الإنسانية أو تقلصها، وحسب احتدام الصراع بين الخير والشر والحق والباطل، فكلما اتسعت دائرة العلاقات الإنسانية، وازداد الصراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، كلما ازدادت هذه الظاهرة وانتشرت في المجتمعات البشرية، كما أن هذه الظاهرة ترتبط بمدى التمسك بمنظومة القيم والأخلاق والتعاليم النبيلة في علاقة عكسية تماما؛ فكلما ازداد تمسك أفراد المجتمع بمنظومة القيم والأخلاق والتعاليم النبيلة كلما قلت هذه الظاهرة في المجتمع، وكلما نقص تمسك أفراد المجتمع بتلك المنظومة كلما ازدادت هذه الظاهرة، "وذلك لأنها ظاهرة سلبية وشاذة وغير سوية"، لا تستقيم ولا تنتظم مع القيم والأخلاق والتعاليم النبيلة، ويعد الظلم وتسلط القوي على الضعيف من أهم ما ينشر الإرهاب ويسببه.
وعلى هذا الاعتبار، فإن هذه الظاهرة ليست نشاطا بشريا طارئا أو ظاهرة مفاجئة، بل قديمة قدم الإنسان، فلم يخل زمن من الأزمان، أو عصر من العصور، من شذوذ في تصرفات الإنسان وسلوكه فردا كان أم جماعة، بل وجد من يتمرد على السلطة ويبغي على السلطان، من الناقمين على المجتمع الذي يعيشون فيه، وذلك بالخروج على نظمه وقوانينه، لأسباب شتى وأهداف متعددة، تسوغ لهم- من وجهة نظرهم- ما يقولون وما يفعلون، لذا نجد أن هذه الظاهرة عاشت في أقدم الحضارات في العالم وحتى الآن منذ أقدم حادثة إرهاب ظهرت على وجه الأرض بين ابني آدم قابيل وهابيل، وإلى وقتنا الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إذ وجدت هذه الظاهرة في أقدم العلاقات وأعرق الحضارات، وانتشرت في كل زمان ومكان، مع تفاوت في
1 / 20
الدرجة والنوع والهدف والطريقة والأسلوب، حسب طبيعة كل زمان ومكان ونوع العلاقات وتشابك المصالح بين البشر.
وقد جاء في بعض آي القرآن الكريم وكتب السيرة والتاريخ ذكر بعض الحوادث التي يمكن احتسابها ضمن منظومة الإرهاب البشري.
فأول عنف وعمل إرهابي ظهر على وجه الأرض ما حصل بين ابني آدم؛ إذ قتل قابيل أخيه هابيل بسبب الغيرة والحسد؛ قال الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ - لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ - إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ - فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ - فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ [المائدة: ٢٧ - ٣١] [المائدة: ٢٧- ٣١]، فهذه أول حادثة يتمثل فيها أول عمل يحتسب من الإرهاب في مفهومه الواسع.
كما أن نبي الرحمة والسلام محمد ﷺ لم يسلم من إرهاب من لم يؤمن برسالته؛ فلم يسلم ومن آمن به واتبعه من الأذى، فتعرضوا لصنوف من العذاب والاضطهاد من قبل قومهم، مما اضطرهم ذلك إلى الهجرة مرتين إلى الحبشة ثم إلى يثرب "المدينة المنورة"، تاركين الأموال والأملاك والديار والأهل والعشيرة في سبيل نشر دعوة الله في الأرض، وبناء الدولة الإسلامية.
وبالرغم من أن الإسلام لم يدع إلى قطيعة رحم أو حرب على الناس وسلب ممتلكاتهم، بل هو دين السلام والرحمة والمحبة والأمن والأمان والتعاون بين بني البشر، وعدم البغي والظلم، وعدم الإكراه، حتى في أمر الدين، ومع هذا لم يسلم هذا الدين من ظهور فئات تخالف تلك التعاليم السمحة من تلك الفئات الخارجة عن الدين، والبعد عن رحمته وعدله وأمنه وأمانه ووسطيته.
ومن تلك الفئات:
- حركة الخوارج التي ظهرت عقب موقعة صفين عام ٣٧ هـ بسبب موقفهم من
1 / 21
التحكيم الذي تم بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ وبين معاوية بن أبي سفيان ﵁، إذ كانوا لا يرون التحكيم، فاعتقدوا كفر كل من خالف رأيهم وعذبوهم.
- حركة القرامطة، وهم أتباع " قرمط " الذي خالف تعاليم الإسلام، فكان له رأيه الخاص حتى في العبادات، وقد كانت هذه الفرقة من أعنف الفرق، حيث حملت السلاح لحمل الناس على اتباع مذهبهم.
هذه بعض الأمثلة التي ظهرت في عصر صدر الإسلام، واستمر بعضها إلى يومنا هذا، ولم يكن هذا في المجتمع الإسلامي فحسب، بل نقل بعض الذين كتبوا عن الديانتين اليهودية والنصرانية أمثلة مما ورد من قصص الإرهاب في الإنجيل والتوراة، سواء ما كان منها بين الديانتين أم بين أهل الديانة الواحدة.
تلك كانت إلماحة سريعة عن جذور الإرهاب ونشأته التاريخية.
أما في العصر الحديث؛ فقد تنوع الإرهاب في أشكاله وصوره، فتكونت عصابات وحركات منظمة ومسلحة ذات أهداف ومعتقدات ومناهج وأفكار تعلنها للمجتمع الدولي، وترتكب أفظع الجرائم وأشدها، وبالطريقة التي تراها في سبيل تحقيق أهدافها، أو نشر أفكارها في العالم، وتفاوتت وجهات النظر نحوها بين التأييد لها أو رفضها، وبن شجبها أو السكوت عنها، إلى آخر ما يرد من مصطلحات مطاطة وهلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إن بعضها كان للاستهلاك السياسي والإعلامي بين الدول، بحيث أصبحت شعارات جوفاء بلا مضمون ودون تأثير عملي مؤثر على أرض الواقع، مما كان سببا في ظهور أفكار ومذاهب تدعو إلى الإرهاب المضاد، فنما الفكر المتطرف المنحرف، وعشش في عقول من لم يكن لهم حظ وافر من العلم الشرعي والمعرفة، أو في عقول من استطاع المنحرفون اقتناصهم والتغرير بهم وغسل أدمغتهم، حتى غدوا أداة في يد أولئك الإرهابيين المنحرفين يوجهونهم كيفما شاءوا، وإلى حيثما شاءوا.
[أسباب الإرهاب]
أسباب الإرهاب: تعددت الاتجاهات والمدارس الفكرية التي تناولت دراسة أسباب ظاهرة الإرهاب،
1 / 22
ولكنها تتفق في القول بأن ظاهرة الإرهاب مركبة معقدة ولها أسباب كثيرة ومتداخلة، بعضها واضح وطاف فوق السطح، والبعض الآخر خفي غائص في الأعماق، وبعضها عام على المستوى الدولي، والبعض الآخر على المستوى المحلي في كل دولة، بل وتتنوع الاستنتاجات بحسب اختصاص الباحثين؛ إذ يركز البعض على بعض تلك الأسباب دون الآخر، فأهل التوجه الاقتصادي يركزون على الأسباب الاقتصادية، والاجتماعيون يركزون على الأسباب الاجتماعية، وهكذا السياسيون والمختصون في الشئون الأمنية، يردونها إلى أسباب أمنية، وهكذا. وهناك من يرفض عزو أسباب الإرهاب إلى الأسباب المادية الخارجية، ويجعلها أسبابا نفسية فقط متعلقة بتكوين شخصية المجرم، أي إنها استعداد نفسي عند من يقوم بالعمليات الإرهابية، وأن الأسباب الأخرى ما هي إلا مثيرات لذلك الاستعداد النفسي، ويستدلون على ذلك بأن هناك مجتمعات يعاني الفرد فيها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ومع ذلك تخلو من الإرهاب بشتى أنماطه وصوره، ولكن متى ما وجد الاستعداد الذاتي، ووجد المثير والمحفز كان ارتكاب جريمة الإرهاب.
ولكن الأكثر تعقيدا أولئك الذين يردون أسباب الإرهاب إلى أسباب دينية وثقافية فقط، أي إن الدين والثقافة هما محركا الإرهاب. وعلى الرغم من خطأ هؤلاء في توجههم وتصورهم، فقد تبنت بعض المنظمات هذا التوجه، وجعلت دين المتهمين بالإرهاب وثقافتهم عدوين لتلك الدولة أو ذلك المجتمع، وصنفوا معتنقي ذلك الدين من الأعداء والإرهابيين وهذا شيء غريب! ومع الأخذ في الحسبان كل ما ذكر، فإني سأجمل الأسباب التي ذكرها بعض الباحثين في هذا المجال، منطلقا في ذلك من بعدين رئيسين؛ هما:
أ- البعد المحلي للدول، وهو المستوى الداخلي لكل دولة.
ب- البعد العام، وهو المستوى الدولي.
[المستوى الداخلي]
أ- البعد المحلي: المستوى الداخلي: يعزو بعض الباحثين أسباب الإرهاب إلى البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والمؤثرات
1 / 23
التي تتدخل في تكوين نمط حياته أو تؤثر فيها. وقد قسمت تلك الأسباب عناصر كثيرة، أجملها في الأسباب الرئيسة الآتية: -
١ - الأسباب التربوية والثقافية: التربية والتعليم هما أساس تثبيت التكوين الفطري عند الإنسان «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه» . فأي انحراف أو قصور في التربية يكون الشرارة الأولى التي ينطلق منها انحراف المسار عند الإنسان، والفهم الخاطئ للدين يؤدي إلى خلق صورة من الجهل المركب، ويجعل الفرد عرضة للانحراف الفكري والتطرف في السلوك، وتربة خصبة لزرع بذور الشر وقتل نوازع الخير، بل ومناخا ملائما لبث السموم الفكرية من الجهات المغرضة، لتحقيق أهداف إرهابية.
ويقع عبء هذا الأمر ومسؤوليته على المؤسسات التي تتولى تربية الأفراد وتعليمهم وتثقيفهم في جوانب التكوين التربوي العام، أو التربوي الخاص كالتعليم الديني، سواء أكانت تلك المؤسسات ذات مسؤولية مباشرة- كمؤسسات التعليم العام والجامعي- أم ذات مسؤولية غير مباشرة كوسائل الإعلام بشتى أنواعها، وهذه المؤسسات مجتمعة هي المعنية بتنفيذ سياسات التعليم والتربية في مجتمعاتها، وإذا كان قصور تلك المؤسسات عن القيام بواجبها وأداء مهمتها في المجتمع يؤدي إلى قصور في التكوين التربوي الصحيح، فإن انحرافها يؤدي إلى أسوأ من تلك النتيجة؛ سواء أكان بالفعل أم برد الفعل، فحينما يتدنى مستوى الأداء في تلك المؤسسات، بدلا من ترقيته للذوق العام، وترسيخ القيم والمبادئ النبيلة بين الأفراد، وتنمية الوعي في تعظيم حرمة الدين والأموال والأنفس والأعراض والعقول، وتنمية مداركهم في السماحة والتخاطب والعمل على جمع الكلمة، فإن ذلك يوغر صدور المعتدلين، ويدفعهم إلى تبني مواقف متشددة وآراء متطرفة، فتسهم تلك المؤسسات بطريقة غير مباشرة في إذكاء نار الفتنة، وتهيئة جو التهييج نحو ظهور إرهاب فكري، وسخط وإثارة ضد مؤسسات الدولة وضد المجتمع، وهذا في حد ذاته دعوة إلى التطرف، واحتضان الانحراف الذي يقود إلى الإرهاب.
1 / 24
٢ - الأسباب الاجتماعية: المجتمع هو المحضن الذي ينمو فيه الإنسان، وتنمو فيه مداركه الحسية والمعنوية، ويتنفس هواءه، ويرشف من رحيقه، فهو المناخ الذي تنمو فيه عوامل التوازن المادي والمعنوي لدى الإنسان. وأي خلل في تلك العوامل، فإنه يؤدي إلى خلل في توازن الإنسان في تفكيره ومنهج تعامله، فالإنسان ينظر إلى مجتمعه على أن فيه العدل وفيه كرامته الإنسانية، وحينما لا يجد ذلك كما يتصور فإنه يحاول التعبير عن رفضه لتلك الحالة بالطريقة التي يعتقد أنها تنقل رسالته. فعلى سبيل المثال: حينما لا تتكافأ الفرص بين المواطنين، ولا يكون التفاضل قائما على أسس ومعايير سليمة، أو عندما لا يكون العدل مقياسا للجمع بين المتساويين والتفريق بين المتفرقين، أو حينما يتسلط القوي على الضعيف، وغير ذلك من الأخطاء الاجتماعية، فإن ذلك يشكل إحباطا لفئات من المجتمع، فتحاول التعبير عن رفضها لتلك الممارسات بطريقة خاطئة غير رشيدة؛ لأن رد الفعل العكسي هو الذي يسوق ذلك الإنسان إلى كراهية المجتمع، ومحاولة الانتقام بالطريقة التي يراها مناسبة لرد ما يتصور أنه سلب منه.
فانتشار المشكلات الاجتماعية ومعاناة المواطنين دوافع إلى انحراف سلوكهم، وتطرف آرائهم وغلوهم في أفكارهم، بل ويجعل المجتمع أرضا خصبة لنمو الظواهر الخارجة على نواميس الطبيعة البشرية المتعارف عليها في ذلك المجتمع.
٣ - الأسباب الاقتصادية: الاقتصاد من العوامل الرئيسة في خلق الاستقرار النفسي لدى الإنسان؛ فكلما كان دخل الفرد يفي بمتطلباته ومتطلبات أسرته، كلما كان رضاه واستقراره الاجتماعي ثابتا، وكلما كان دخل الفرد قليلا لا يسد حاجته وحاجات أسرته الضرورية، كلما كان مضطربا غير راض عن مجتمعه، بل قد يتحول عدم الرضا إلى كراهية تقود إلى نقمة على المجتمع، خاصة إن كان يرى التفاوت بينه وبين أعضاء آخرين في المجتمع مع عدم وجود أسباب وجيهة لتلك الفروق، إضافة إلى التدني في مستوى المعيشة والسكن والتعليم والصحة، وغيرها من الخدمات الضرورية التي يرى الفرد أن سبب حدوثها
1 / 25
هو إخفاق الدولة في توفيرها له بسبب فشو الفساد الإداري، وعدم العدل بين أفراد المجتمع.
هذه الحالة من الإحباط والشعور السلبي تجاه المجتمع يولد عند الإنسان حالة من التخلي عن الانتماء الوطني، ونبذ الشعور بالمسئولية الوطنية، وعدم احترام ذلك الوطن والمواطن الذين يرى أنهما لم ينصفاه ولم يعطياه حقه، وأن الوطن لم يقم بالواجب نحو ذلك المواطن في سد معاناته ومعالجة فقره وعوزه، ولهذا يتكون لديه شعور بالانتقام، وقد يستثمر هذا الشعور بعض المغرضين، فيحسنون لذلك المحبط قدرتهم على تحسين وضعه الاقتصادي، دون أن ينظر في عبر التاريخ، وإلى ما حوله من المجتمعات، وما حل بها من جراء تلك الفئات التي تحمل فكرا غير سوي.
٤ - الأسباب السياسية: وضوح المنهج السياسي واستقراره، والعمل وفق معايير وأطر محددة يخلق الثقة، ويوجد القناعة، ويبني قواعد الاستقرار الحسي والمعنوي لدى المواطن، والعكس صحيح تماما، فإن الغموض في المنهج والتخبط في العمل، وعدم الاستقرار في المسير يزعزع الثقة، ويقوض البناء السياسي للمجتمع، ويخلق حالة من الصدام بين المواطنين والقيادة السياسية، وتتكون ولاءات متنوعة، وتقوم جماعات وأحزاب، فتدغدغ مشاعر المواطن بدعوى تحقيق ما يصبو إليه من أهداف سياسية، وما ينشده من استقرار سياسي ومكانة دولية قوية.
وهذا وجه من وجوه انتشار الإرهاب بسبب المنهج السياسي.
أما الوجه الآخر، فهو البحث عن المكاسب السياسية من خلال خلق الضغوط، مثل إقدام بعض الدول على احتضان بعض الجماعات أو الأفراد الخارجين على قوانين بلادهم، وتشجيعهم ومساعدتهم ماديا ومعنويا، وذلك تحقيقا لمكاسب سياسية، واستخدامهم- كما يقال- ورقة ضغط تلوح بها الدولة الحاضنة في وجه الدولة الأخرى متى ما أرادت، لتحصل من خلالها الدولة الحاضنة على تنازلات سياسية أو مكاسب اقتصادية من الدولة الأخرى، بل يصل الأمر ببعض الدول في بعض الحالات إلى
1 / 26