...
البلاغة العربية
خپرندوی
دار القلم،دمشق،الدار الشامية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
إنَّ شأن الأفكار كشأن المآكل والمشارب والأدوية، وسائر المطالب والحاجات، فمنها ما هو حلو بطبعه، ومنها ما هو حامض، ومنها ما هو مرّ، ومنها ما هو ليّن، ومنها ما هو قاس، ومنها ما هو ناعم، ومنها ما هو خشن، ومنها ما هو مُهَوِّع مثيرٌ للغثيان، ومنها ما هو محرّك للشهوة مثير لِلُّعاب.
حتى الطيِّبات من المآكل والمشارب وغيرها يزيدها حسنًا وجمالًا وتطريةً وتحريكًا لشهوات النفوس نَحْوَها إذا قُدّمت في أطباق جميلة نفيسة، وعلى مائدة جميلة أنيقة، وفي أيدٍ نظيفة رشيقة حلوة لِخَدَم مكتملي الأناقة حِسَان، وفي مكان منظّم مليء بالأشياء الحسَنة الجميلة، من منظور ومسموع ومشموم وملموس ونحو ذلك.
فالفكرة المرّة قد تحتاج غلافًا حلوًا جميلًا يزيِّنها حتى يبتلعها مَنْ توجّه له.
والفكرة الشديدة الحموضة قد تحتاج مخالطًا يعدِّل حموضتها حتى يستسيغها من توجّه له.
والفكرة القاسية بطبعها قد تحتاج أسلوبًا يليِّنها ويعدِّل قساوتها.
والفكرة الخشنة بطبعها قد تحتاج أسلوبًا ناعمًا يغلِّفها ويهوِّن ابتلاعها.
وكما أنَّ الحسِّيّات الجسدية يحتاج كثير منها إلى ما يجمّله ويحسِّنه ويزيِّنه للنفوس حتى تستسيغه، كذلك الأفكار التي نريد تقديمها إلى الآخرين قد يحتاج كثير منها إلى ما يجمِّله ويحسِّنه ويزيِّنه للنفوس حتى تستسيغه، وهذا التجميل والتزيين والتحسين هو من عناصر الأدب الرفيع لا محالة.
ولكنْ ليس من الضروري لكلّ فكرة مقصودة بالذّات أنْ تُصنَع لها مزِّينات جماليّة لا يكون الكلام ذا أدب رفيع إلاَّ بها. فكثير من الأفكار جمالُها ذاتِيّ، وإذا قُدِّمت مجرّدة من كل الزينات والأصباغ والألوان في أحوال ملائمة لهذا التقديم كانت أرفع أدبًا، وكانت النفوس أكثر تقبُّلًا واستساغةً لها، فهي تزدردها او ترتشفها بشهوة بالغة.
1 / 23