معاملة النبي ﷺ للأطفال
روى الإمام مسلم في صحيحه-: (أن رسول الله ﷺ كان عنده رجل اسمه الأقرع بن حابس ﵁، وكان شديدًا -يعني: مجبولًا على الشدة والقسوة، فرأى الأقرع بن حابس النبي ﵊ يقبل الحسن والحسين، فقال: تقبلون أولادكم؟ والله إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت أحدًا منهم، فغضب النبي ﵊، وقال: وما أملك لك إن نزعت الرحمة من قلبك؟!) .
إذًا: الانطلاقة الأولى: الرحمة، فعليك أن تنطلق من الرحمة، وتؤدب برحمة.
وهذا الحسن بن علي وهو ابن فاطمة رضوان الله عليهم امتدت يده إلى تمرة من تمر الصدقة وهو طفل، وأراد أن يضعها في فمه، فأخذها النبي ﷺ من يده وقال (كخ كخ، ألا تعلم أننا لا نأكل من الصدقة؟)، ولم يضرب يده، بل أخذها برحمة عجيبة.
وهذا جابر بن سمرة وهو طفل صغير -والحديث في صحيح مسلم - يقول: (صليت مع رسول الله ﷺ صلاة الغداة -كان يصلي مع النبي في المسجد صلاة الصبح- فخرج النبي بعد الصلاة من المسجد فقابله الصبيان، فجعل النبي ﵊ يمسح خد كل واحد منهم واحدًا واحدًا، قال: ومسح النبي ﷺ على خدي، فشممت ليديه ريحًا كأنما أخرجها من جونة عطار) فلم ينس أن النبي ﷺ مسح على خده.
جاءني رجل من الأفاضل وقال لي: أنا عندي طفل عمره عشر سنوات، يحفظ سورة يوسف والرعد وإبراهيم من شريط لك، وأنا أحبه، قلت: الحمد لله.
قال: لكنني سأحضره لأول مرة إلى المسجد في الجمعة المقبلة، قلت: مرحبًا به، وهذا أمر عادي.
قال: لا، ليس عاديًا.
قلت له: لماذا؟ قال: هذه اللعبة هدية، أرجو منك أن تضعها في منبر المسجد، وإذا أحضرت ولدي في الأسبوع المقبل في صلاة الجمعة، سأقدمه لك فسلم عليه، وادع له، وقدم له هذه الهدية على أنها منك؛ ليزداد تعلقه بك وبالدين وبالمسجد -انظر إلى هذا الفهم الراقي- وبالدعوة وبالدعاة وبالعلماء.
وهكذا إذا سلم الطفل على الشيخ أو على رجل من أهل العلم سيرجع إلى البيت وهو يقول: سلمت على الشيخ يا أمي وأمه تقول له: ما شاء الله، وهو فرحان سعيد، فلذلك الصحابي لم ينس أن النبي ﷺ مسح على خده، وكذلك لم ينس رائحة يد النبي ﵊.
وروى مسلم في صحيحه: أن عمر بن أبي سلمة -وهو ممن تربى في حجر النبي ﷺ قال: (كنت غلامًا في حجر النبي ﷺ، فكانت يدي تطيش في الصحفة -الإناء الذي يوضع فيه الطعام- فقال لي: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) فما أحوجنا الآن إلى أن نرجع إلى درة تاج الجنس البشري، وإلى أعظم مرب عرفته الأرض، وإلى أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية ورسولها ونبيها ﷺ؛ لنتعلم من هذا المربي الأعظم كيف نتعامل مع أولادنا، لا سيما ونحن نعيش الآن زمانًا قد اختلط فيه الحابل بالنابل.
3 / 6