قصة الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد
هيا بنا نرجع لصاحب المنهج، لخلق الحبيب ﷺ في الدعوة إلى الله ﵎، بالله عليك ماذا نفعل الآن لو دخل علينا رجل مسجدنا الذي نصلي فيه، وعلى مرأى ومسمع من الحضور قام هذا الرجل في جانب من جوانب المسجد، وتبوَّل -أعزكم الله-؟!! مداخلة: سنقوم عليه كلنا.
الشيخ: أنا أتصور أنه لن يخرج من المسجد إلا محمولًا على نقَّالة، بل والله يا أخي أنا لا أبالغ إن قلت لك: لو فعل هذه الفعلة طفل لضرب! لكن انظر إلى خلق الحبيب انظر إلى المنهج الدعوي، رجل أعرابي ليس له في (الأتيكيت) ولا يفهم في هذه المسائل، أراد أن يبول، وهو في المسجد النبوي، ولاحظ: أن المسجد ما كان خاليًا، فسيدنا النبي موجود فيه وجالس مع أصحابه.
فقام هذا الأعرابي في طائفة -جانب من جوانب- المسجد، ووقف ليتبول، فقال الصحابة: مه! مه! ماذا تفعل؟ فيرد عليهم صاحب الخلق، والرحمة المهداة، الذي قال الله في حقه: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:١٢٨]، يقول لهم: (دعوه لا تزرموه) يا ألله (لا تزرموه) يعني: لا تقطعوا عليه بولته، دعوه يكمل تبوله، الله أكبر! وتبول الرجل، ورسول الله جالس، وإذ بصاحب الخلق الكريم ينادي عليه بعدما انتهى: تعال، لكن هل شتمه، نهره، ضربه، جرح مشاعره؟ لا والله: فهل استهزأ به، سخر منه، تهكم عليه؟ لا والله! فانظر ماذا قال ﷺ.
قال: (إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا)، اسمعوا كيف الأدب؟! كيف التواضع والرحمة والحكمة والخلق؟ (إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا، إنما جعلت للصلاة، ولذكر الله، ولقراءة القرآن) .
وأمر النبي صحابيًا من أصحابه، فأتى بدلو من الماء وصبه النبي ﷺ على الموضع الذي تبول فيه هذا الأعرابي؛ فأزال النجاسة بالماء الطاهر، وانتهت القضية.
أريد من حضرتك أن تتصور حجم الأذى والضرر لو أن النبي ﷺ ترك الصحابة يوقفون هذا الأعرابي، فلو تركهم لفزع الأعرابي وقام؛ ونجس جلَّ المسجد، ولربما تعرض لشيء من الضرر والأذى، لكنه ﷺ بحلمه ورفقه وأدبه وحكمته ورحمته وتواضعه قال: (لا تزرموه)؛ فتركز البول في موطن واحد، فكان من اليسير أن يطهر هذا المكان.
وهذا في رواية صحيح البخاري، والحديث في الصحيحين، وجاءت رواية أخرى في كتاب الأدب في صحيح البخاري، أن هذا الأعرابي تأثر بأخلاق النبي ﵊، وبهذا الحلم والرفق، فأول ما دخل الصلاة خلف رسول الله ﷺ قام يدعو الله ﷿، فقال: (اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا) .
تأثر بأخلاق النبي ﵊ فقال: (اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا) .
طيب! فهل تركه رسول الله؟ لا، علمه درسًا آخر وبأدب -يعلمه ثانية وثالثة- فماذا قال له ﵊؟ (لقد تحجرت واسعًا!) أنت تضيق ما وسعه ربنا، لماذا؟ ربنا يقول: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:١٥٦]، لماذا تضيق رحمة الله ﷿؟! لماذا تقصر الرحمة على النبي ﷺ وعليك؟! (لقد تحجرت واسعًا) أي: ضيقت ما وسع الله ﵎.
انظر إلى هذا الخلق! هذه دروس عظيمة نستطيع أن نخرج بها من هذا الحديث الواحد!!
2 / 9